هذه أجمل قصص المرأة العاملة في القرآن الكريم!
انتقاء: نجاة. ش
في الجنة التي كان فيها آدم وحواء كانت
الثمرات قريبة التناول حيث لا تعب ولا كدح في سبيل لقمة العيش، ومع ذلك
كانا يتجولان معا بين أشجار الجنة.
لم تجلس حواء في انتظار آدم وهو يأتي
لها حاملًا الفاكهة وإنما كانت تتجول معه وهما يحملان الأوامر الإلهية لهما
معا: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا
هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}.
كان الخطاب لهما معا بالسكن والأكل
والتجول في الجنة حيث شاءا وبالنهى عن الاقتراب من الشجرة المحرمة، وحدث أن
أكلا معا وتجولا معا وخدعهما الشيطان معا { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ
عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ
إِلَى حِينٍ }..[البقرة 35 : 36].
إن العمل يعنى المسؤولية، وكان عمل
حواء ( مثلها مثل آدم ) منحصرا في التجول والحصول السهل على الطعام، وكانت
مسؤوليتها منحصرة فقط في الابتعاد عن الشجرة المحرمة، وقد قاما معا بالعمل
وارتكبا معا الأكل من الشجرة المحرمة ودفعا معا فاتورة هذه الوجبة المحرمة،
ودفعناها نحن معهما، لذلك قال تعالى لهما ولنا أيضا {قُلْنَا اهْبِطُواْ
مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ
هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}..[البقرة 36 ].
ونصل إلى المراد من الاستشهاد بقصة
آدم وحواء في الجنة، أن لحواء عملًا ومسئولية مثلما كان لآدم عملًا
ومسئولية وتحملا قدرهما معا.. وما ينطبق على آدم وزوجته ينطبق على كل أبناء
آدم.
المرأة العاملة في قصة سيدنا موسى:
والقرآن الكريم ليس كتابا في
التاريخ، إنه كتاب في الهداية، والقصص القرآني يهدف للعبرة {لَقَدْ كَانَ
فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}..[يوسف - 111 ]. ومن
ثنايا القصص القرآني نأخذ العبرة فيما يخص موضوعنا من عمل المرأة.. ونختار
قصة موسى.
في قصة موسى إشارات بين الكلمات
لأعمال تقوم بها المرأة وهي من صميم اختصاصها، فأم موسى وضعت وليدها في
تابوت وألقته في النيل، وقد جاء الأمر الإلهي لها مباشرة بأن تفعل ذلك {
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ
الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}..[ طه - 39].
وحيث أن القرآن الكريم لم يذكر أي إشارة
لوالد موسى فالمنتظر أن تقوم أم موسى وأخته بصنع ذلك التابوت.. والمنتظر أن
يصنعا التابوت سرا في المنزل، وكانت صناعة السلال والتوابيت من المصنوعات
المنزلية اليدوية وقتها.
ووصل التابوت في النيل إلى قصر
فرعون الذي يطل على النيل..{ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ
يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ }..[طه - 39 ]. ومن الطبيعي أن يد
فرعون لم تكن هي التي امتدت لتلتقط التابوت وفيه الطفل المبارك إلى زوجة
فرعون التي يظهر دورها حينئذ فى القصة: { وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ
قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ
نَتَّخِذَهُ وَلَدًا }..[ القصص- 9].
واحتاج الطفل إلى الرضاعة، وتظهر
هنا وظيفة أنثوية أخرى هي الرضاعة بأجر، ولكن الله تعالى يقول:{
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ}.. [القصص - 12 ]. وكانت
المرضعة التي تقبّلها الطفل هي أمه الحقيقية.
إذا تعطى لنا قصة موسى في هذه المرحلة نماذج لعمل يتفق مع طبيعة المرأة، من أعمال البيت إلى الوصيفة إلى المرضعة.
ومن تشريعات المرأة في القرآن
{وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ}..[ البقرة 233
]. أي يجوز استئجار مرضعة لرضاع الوليد.
المرأة تعمل عمل الرجل:
ونقرأ في قصة موسى عملا آخر للمرأة
يناسب الرجل في شدته وقسوته هو رعى المواشي ورعايتها وسقايتها.. إذ أن موسى
حين ورد عين ماء في مدين، وجد الرعاة يتزاحمون على البئر ووجد فتاتين لا
تجدان مكانا لهما وسط الزحام، يمنعهما الحياء من مزاحمة الرجال خصوصا
وأبوهما الرجل العجوز قد رباهما على حسن الخلق، وذلك الرجل الصالح لم ير في
خروج ابنتيه للعمل الشاق مع الرجال عيبا بعد أن اطمأن لحسن أخلاقهما.
وتلك المعاني كلها كانت غائبة عن
موسى الذي رأى فتاتين تمنعان أغنامهما من الاختلاط بباقي الأغنام والقطعان
فتقدم بدافع الشهامة لمساعدتهما ، يقول تعالى { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء
مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن
دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا
نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى
لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا
أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}..[ القصص 22 ].
ونفهم من قولهما لموسى "وَأَبُونَا
شَيْخٌ كَبِيرٌ" نوعا مؤدبا مهذبا من طلب المساعدة من ذلك الرجل الغريب
الذي تقدم لهما بدافع الشهامة، أو ربما قالا ذلك على سبيل التعليل لخروجهما
وحدهما مع رعاة من الرجال وابتعادهما عن مركز الازدحام والتعارك.. فلو كان
أبوهما قويا أو كان لهما أخ فتى لكفلهما مشقة التعرض لعمل شاق لا يقوم به
إلا الرجال.
ومهما يكن من أمر فهذا الموقف في حد
ذاته يعتبر دليلا على جواز عمل المرأة في الأعمال الشاقة إذا كانت هناك
ضرورة تستدعى ذلك، وحين انتفت هذه الضرورة ووجد الرجل الصالح بغيته في موسى
فلم تعد هناك حاجة لخروج الفتاتين لذلك العمل الشاق بعد أن قام به موسى
وحده .
من العمل إلى الزواج:
والرجل الصالح يريد ارتباطا بموسى
أقوى من مجرد العمل، يريده زوجا لإحدى ابنتيه وصهرا وولدا أو في مقام
الولد، الرجل الكبير في شيخوخته يريد الاطمئنان على ابنتيه، وحين يتزوج
موسى إحدى البنتين سيكون أخا للأخرى ومسئولا عنها بعد وفاة أبيها.
وكان موسى ينتظر موافقة الرجل
الصالح على اقتراح ابنته { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}..[ القصص 26 ]،
ففوجئ بأن الرجل يطلب موسى زوجا لمن يختاره من البنتين.
صحيح أن موسى لا يملك المهر ولكن
يملك ثروة لا تقدر بمال لخصتها الفتاة حين قالت "إِنَّ خَيْرَ مَنِ
اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ".. والرجل الشيخ الصالح لا يريد زوجا
لابنته أكثر من ذلك.. ولذلك بادر بعرض إحدى ابنتيه على موسى ليتزوج بها،
ولم يجد في ذلك عيبا، طالما يختار الأب لابنته زوجا رجلا أمينا كفئا يقدر
الجميل ويرعى المسئولية ويكون عند حسن الظن به.
{ قَالَ
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن
تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ
الصَّالِحِينَ }.
ونحن هنا مع صيغة رائعة وفريدة لأب
يخطب زوجا لابنته، ويعرف أن زوج المستقبل لا يملك الصداق والمهر، ولكن يملك
القوة والصحة والشباب ومعها الأمانة والعفة والشهامة والمروءة.. والحل
بسيط أن يدفع المهر عملا في الرعي يستمر ثماني سنوات، فإن أراد أن يتم
العمل إلى عشر سنوات فهذا تطوع من عنده.
لم يكن معهما شاهد على ذلك الاتفاق
إلا الله وكفى به تعالى وكيلا وشهيدا، وموسى يترك لنفسه حرية الاختيار بين
الاقتصار على القدر المفروض وهو العمل لمدة ثماني سنوات، وإتمام سنتين
زيادة، لأنه لا يعلم ما سيحدث له في المستقبل بعد أداء القدر المفروض
عليه:{ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ
فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }..[القصص 28
].
ويتزوج موسى من التي نفهم من السياق
أنها التي ذهبت إليه تدعوه على استحياء والتي اقترحت لأبيها أن يستأجره،
تزوج من فتاة عاملة، استدعتها الظروف لتقوم مع أختها بعمل الرجال حين عجز
أبوها عنه فما تكاسلت.. وأعطت لنا مع أختها صورة للفتاة العاملة النبيلة
العفيفة الراقية المتحضرة المتمتعة بالوعي والثقافة وحسن التصرف.
ومن الخسران المبين أن تتعطل نصف طاقة الأمة وأن نعتقلها خلف شعارات ما أنزل الله بها من سلطان.
أن هناك من الأعمال ما يشق على
المرأة تأديته بحكم تكوينها الجسدي والنفسي، وقد تضطر لتأديته في حالة
الضرورة كما ظهر في قصة موسى، كما أن هناك من الأعمال ما تنفرد به المرأة،
ثم هناك جانب كبير من الأعمال التي تقوم بها الرجال والنساء على قدر
المساواة، وتكون أمام الجميع الفرصة متساوية ومتكافئة للتفوق وفى كل
الأحوال فالأصل هو مشروعية العمل للمرأة، والاستثناء هو راحتها من العمل
اعتمادا على قيامها بعمل أساسي تنفرد به هو الأمومة وتربية النشء.
ويبقى أن القول الفصل فى عمل المرأة
أنه لم يرد فيه تحريم ، بل إن الأعذار التي تسوغ القعود عن الجهاد ـ وهو
أشق الأعمال ـ تنطبق على الرجل والمرأة على قدر المساواة، فالله تعالى
يقول: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ
وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ
يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا }..[الفتح - 17 ].
لم يرد في القرآن الكريم منع المرأة
من العبادة أو العمل بسبب ظروفها الأنثوية مثل الحيض والولادة والحمل
والرضاع بل إن ما جاء هو ظروف المرض والإعاقة التي تنطبق على الرجل والمرأة
معا.
من حقّ بقايا العمال، إن يخافوا على مصيرهم المهني والعمّالي، في ظلّ أزمة مالية أصبحت خانقة، موازاة مع "نصائح" صندوق الأفامي الذي لم يعد يفرّق بين خدمة العمال وتشميع المصانع بالخوصصة والابتزاز والتقارير الرامية إلى الضغط وشراء المؤسسات بالدينار الرمزي!
لم تعد أعياد الفاتح ماي مدعاة للذكرى والتذكر، فقد أنهكت الأسعار وانهيار القدرة الشرائية، ولقد زادت الضائقة المالية المنجرّة عن أزمة البترول وتداعيات التقشف، زادت من الخنق والدفع نحو الموت البطيء أو الانتحار، ولذلك أصبح العمال قاب قوسين أو أدنى من الرعب المستمر!
"على وجه ربيّ".. لا تقطعوا الأرزاق، فهو لا يختلف كثيرا عن قطع الأعناق، والذين عاشوا سنوات المأساة الوطنية، يلمسون مثل هذا التشبيه، عندما كان الإرهاب يهدد حياتهم، وكان بالمقابل الأفامي يتوعّدهم بغلق بقايا المصانع وتشريد العمال في زمن المحنة!
"على وجه ربّي".. أعيدوا الأمل لآلاف الشباب، ممّن يُريدون في الفاتح ماي، أن يصبحوا جزءا من قوائم العمال، ويتحرّرون من قوافل "الشومارة"، التي أنهكتهم وضربت كبرياءهم وكرامتهم، وتجعلهم تابعين وليسوا متبوعين، حتى وإن كان ذلك لأوليائهم وأفراد من عائلاتهم!
"على وجه ربّي".. أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه، حتى لا تتعاظم المشكلة ويرقد هؤلاء وأولئك على الخط، ويزعم كلّ طرف أنه صاحب الحق، وأنه ها هو قاعد إلى أن تسوّى وضعيته، دون أن يعلم أو يعمل، وتروح بالتالي قيمة العمل "في كيل الزيت"!
"على وجه ربّي".. تجاوزوا "المعريفة" والمحسوبية حتى لا تنتصر الرداءة على الكفاءة، ويصبح العامل أو الموظف مجرّد "بطـّال" يسيطر على منصب عمل "شاغر"، أو وظيفة لا يستحقها، فلا يقدر أن يعطيها ما يجب، وإذا أعطاها فإنه يُعطيها "فوق القلب" وهمّه راتب آخر الشهر!
"على وجه ربّي".. احترموا العمل والوقت، ولا تغتالوا هدفه، وتحوّلوه إلى مصدر واحد ووحيد لتلقي مقابل مالي، فتصبح مناصب الشغل على اختلافها، منابع لتكريس "شدّ مدّ القرض مات"، وبعدها من الطبيعي أن تتعمّم المقولة التي يرددها "الخدامة": أنا متوجه للعمل.. عوض: أنا متوجه من أجل العمل.. فعلى وجه ربّي، ردّوا الاعتبار للعمل في عيد العمال!