بعد ان قذف البحر جثة اللاجئ البرئ إيلان كردي
هل بقي وجود لخرافة إسمها الإنسانية؟
هل مازالت الإنسانية تعني شيئا؟ سؤال طرحته على نفسي وأنا أشاهد عبر قناة الجزيرة ممزق الوجدان والفؤاد صور آلاف النساء والشبان والكهول والأطفال والرضع من السوريين والعراقيين وهم يعبرون حدود دول البلقان متجهين نحو اليونان للوصول مشيا إلى إحدى الدول الأوروبية في مشاهد مأساوية أولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية. السؤال نفسه خطر في بالي وأنا أشاهد نشرة إحدى القنوات الفرنسية التي تبث على مدار اليوم متابعا تقريرا تقول صاحبته أن الفرنسيين يبذرون سبعة أطنان سنويا من الفواكه والخضار ومختلف المواد الغذائية، الأمر الذي يعادل رمي كل فرنسي ثلاثين كيلوغراما ويقدر ماليا بحوالي عشرين مليار أورو.
وجاء في التقرير نفسه أن مالكي المحلات التجارية الكبرى يرمون المواد الغذائية المتبقية بدل توزيعها علىالفقراء والمتسولين، وبسبب تحولها إلى نفايات تهدد البيئة اضطرت وزيرة البيئة سيغولين روايال إلى التدخللوضع حد للظاهرة المأساوية التي تعرفها الدولة الرابعة غذائيا في العالم والأشهر أوروبيا وعالميا بخطابهاالتاريخي عن حقوق الإنسان وحماية المعذبين في الأرض كما جاء في رواية إميل زولا ابنها البار الذي لم يعدمرجعا أدبيا مقنعا في الكتابة عن البؤساء. اليوم لم تعد الدول الأوروبية وفرنسا بوجه خاص قلاعا إنسانيةيحتمي بها ويلجأ إليها الباحثون عن البقاء على قيد الحياة فقط وليس للبحث في مزابل مواطنيها بالضرورة، كماأنها لم تعد الدول التي تفتح ذراعيها للهاربين من بطش حكام طغاة عرفتهم الدول الإفريقية والآسيويةوالعربية.
هذه الدول التي تحترم مواطنيها وتضمن حقوقهم وحرياتهم الأساسية ومعيشتهم إلى حد التخمة وتنتهكحقوق وحريات مواطنين آدميين مثل مواطنيها خارج حدودها البعيدة والقريبة هي نفسها الدول التيشاركت في صنع بؤسهم وتشردهم وقتلهم وإلا كيف نفسر النسبة العالية من اللاجئين السوريين في صفوفمنكوبي القرن الواحد والعشرين.
الغرب المخملي الذي يتشدق بالتقدم الصناعي والتحضر المدني وبالحقوق الإنسانية داخليا ويخترقهاوينتهكها خارجيا ندد به المحلل الراحل الكبير موريس دوفرجييه والمفكر المعزول ريجيبس دوبريه الذي نزعورقة التوت عن عدالة الأنوار الظلامية هو الغرب الذي مازال متشبثا بفرض نمطه الإقتصادي والسياسيالوحيد الأوحد ومؤيدا للطغاة والخونة من القادة العرب وغير العرب غير المؤمنين بفلسفته التنمويةوالسياسية والمدنية الداخلية والمستجبين في الوقت نفسه لطلباته وتوجيهاته ومصالحه المناقضة لطموحاتوتطلعات وأحلام شعوبهم المقهورة.
الغرب الذي فتح ذراعيه وحدوده في القرن الماضي لشتى أشكال المعارضين المنشقين عن انظمةالإيديولوجية الشمولية شيوعية كانت أو وطنية أو قومية في زمن الرخاء والبحبوحة هو نفسه الغرب الذييبحث عن مخرج لتأزمه السياسي والتنموي الهيكلي بمكيافيلية أكثر حداثة. اللاجئون العرب العالقون فيالحدود البلقانية هم نتاج خطابه المزدوج والمنافق، وبتحويلهم إلى ضحايا بعبع الإرهاب وفق منطق الأسدفقط وبإجهاضه محاولة نزوع الشعوب العربية إلى الحرية والديمقراطية ورقصه على إيقاع داعش الذي يخدمهويوظفه بحسب المحلل جان بيارفيليو يكون قد حفر قبر زعمه بتمثيل وتمثل خرافة الإنسانية.
أخيرا، يجدر الذكر انه تم تأجيل هذا المقال الذي كتب قبل اسبوع تقريبا لاعتبارات فنية ونشره اليوم يعززطرح محرره اكثر من اي وقت مضى بعد أن قذف البحر جثة اللاجئ السوري على شاطئ بوردوم التركي. أيهاالأسد ... الطفل البرئ إيلان كردي الذي لم يتجاوز العام الثالث من عمره لم يكن إرهابيا داعشيا ولا جنديافي صفوف الجيش الحر، فهل ستحن هذه المرة مثل العالم الغربي غير الرحيم وغير الإنساني الذي يساندكحماية لإسرائيل ولمصالح لوبيه المركب الصناعي والعسكري؟
لــ بوعلام رمضاني .
No comments:
Post a Comment