صرخة...
هذه المرة قررت أن أتنازل عن هذه المساحة المخصصة لي لأخت جزائرية خريجة المدرسة الوطنية للإدارة، لم تقدر على تحقيق آمالها وأحلامها في وطنها، ومع ذلك تفيض بمشاعر الحب للوطن والتعلق به؛ لذلك أردت أن أقاسمكم تلك المشاعر التي يشترك فيها كثير من أبناء هذا الجيل الذي "هرم" من أجل لحظات تاريخية يقوم فيها بواجبه.
سلام عليكم أستاذ
هي كلمات تخرج وهنا على وهن من وطن لايزال يتلاشى داخلي كرها وقسرا ومازلت أصغر فيه ظلما وقهرا، لطالما هاجمت الحراڤة وتحاملت على الكفاءات المهاجرة هربا وخيبة، تشدقت بالوطن والوطنية زمنا وراهنت على الجزائر عمرا ومازلت لا أفهم أي منا خان صاحبه، لقنني أبي أول ما لقنني كتاب الله وإلياذة الجزائر، فتضخمت الجزائر داخلي كمارد، وحده مفدي زكرياء كان يشبع نرجسية الوطن داخلي وهو الذي رسم الجزائر أسطورة وتاريخا وحضارة فمجدها كما مجد هوميروس الإغريق، كبرت والعمر هنا يقاس بالخيبات لا بالسنوات وعمر الخيبات تغذيه الصدمات أبدا، وصدمة عمري كانت أن لا بيت في الإلياذة أصدق من: جزائر يا مطلع المعجزات، نعم معجزة العشرية التي قتل فيها من قتل ونهب فيها ما نهب ومعجزة الألف مليار ومليار التي تصلنا أخبارها تباعا ومعجزة أغلى كيلومتر -تكلفة- في العالم ومعجزة قروض أفلست المجتمع أخلاقيا ومعجزة أصحاب الحق الإلهي في تسيير شؤوننا، أولئك الذين لا نعرف عنهم شيئا ويعرفون عنا كل شيء ومعجزة الرئيس الذي يرأسنا منذ زمن ولا نكاد نسمع له صوتا وووو…
تضخم داخلي مارد الوطن يا أستاذ حفيظ فغدا مرضا، وكلما تذمرت لأمي أجابتني: الحمد لله على الصحة، فهل نحن أصحاء يا أستاذ؟ لا قطعا! نعاني داءً يتفاقم أمام أعيننا يوما بعد يوم اسمه الجزائر.
ورم الوطن لايزال لا يزداد إلا تضخما حتى بت أخشى أن أضطر إلى استئصاله ولو مؤقتا -الأرجح أنني فعلت- فكمن يهرب من حقيقة إلى سراب رحت أبتاع لي من كل بلد أزوره علما أعلقه في غرفتي عساني بكل تلك الأعلام ألغي انتمائي لهذا الوطن الذي لم يبق لي منه إلا علم وبضع وثائق رسمية، ووحدي في قرارة نفسي كنت أفعل ما أفعل لأغيظ ذلك العلم (علم الجزائر) المخبأ داخل وسادتي، ذلك العلم الذي خاطته جدتي داخل وسادة أمي ذات تسع وخمسين تسع مائة وألف، حتى لا يجده الفلاڤة إذا ما أتوا لتفتيش البيت بعد وصول الأنباء عن استشهاد جدي، ومازلنا نحتفظ بتلك الوسادة كمن يحتفظ بكنز، ومازلت كل ليلة أعود لحضن وسادتي وأحكي لعلم جدي كل الحكايات وأخبره أنه ما عاد بحاجة إلى التخفي داخل وسادة ولكن أخشى عليه أن يخرج من الوسادة فيجد أعلاما ولا يجد وطنا، يا علمي حضرت الأعلام وغابت الجزائر يا وجعي.
من عمق الخيبة أكتب لك أستاذ بعد ما أصبحت مقالاتك عن الوطن مؤنسا لنا في ضبابيتنا هذه، أكتب لأرجوك ألا تتوقف عن الكتابة وألا تعير أذنا لأولئك الذين يحاولون تثبيطك فنحن مواطنون قبل أن نكون "مهنيين" في أي مجال كان وعملك في الإعلام الرياضي لا يمكن أن يكون حاجزا أمام تبنيك لقضية الوطن.
وأما السبب الثاني، فلدي حلم، حلم سعيت جاهدة لتحقيقه داخل الوطن ولكن لا حياة لمن تنادي. نعم أعرف أنك تتلقى ملايين الطلبات من هذا القبيل ولكن حلمي مختلف نوعا ما. أستاذ حفيظ ما أطلبه من حضرتك ليس تحقيق حلمي أو الوساطة من أجل ذلك، كل ما أتمناه هو أن أتلقى منك ردا توجهني فيه إلى الكيفية باعتبار الخبرة التي تملكها في هذا المجال.
أعشق الإعلام الرياضي ومرارا حاولت طرق أبواب التلفزيون الجزائري أبحث عن نصف فرصة كي أجتاز أي مسابقة توظيف ولكن هيهات، حتى تلك القنوات الخاصة مازلت أتردد في محاولة طرق أبوابها بالنظر لما يثار حولها من زوابع.
إن كنت قد وصلت إلى غاية هذه النقطة من رسالتي فهو كرم لا أنساه لك، ويكفيني كرمك هذا حتى لو لم تجد وقتا للرد، أما إن لم تفعل فستكون مجرد خيبة أخرى تزيد في العمر خيبة والعمر هنا يقاس بالخيبات كم سبق وقلت.
إلى الأخت العزيزة، أقول إنني أتألم مثلك وأكثر، ويتألم كثير من أمثالك على وطنهم أكثر مما يتألمون على أحوالهم، ومع ذلك أقول لك: إن "غدا يوم آخر" لن يمنعنا أحدا بأن نحلم بأن يكون أفضل.
لـــ حفيظ دراجي
لـــ حفيظ دراجي
No comments:
Post a Comment