مع بلوغ مسلسل محاكمة الخليفة حلقات ظهور الشهود، خرجت القضية من كونها عمليات احتيال كبرى إجتهد خلالها المتهمون، من أجل مصّ دم الوطن والمواطن، إلى الدهشة من المستوى المنحط الذي بلغه بعض المسؤولين في الجزائر، إلى درجة أن الجاني لم يعد يبذل أي جهد لحبك احتياله أو إخفاء آثار جرائمه، أو طلب الغالي من أجل التنازل عن مبادئه وحتى عن شرفه، وعندما تنتقل أحداث المحاكمة إلى مستوى التسلية والتنكيت، فإننا نكون قد بلغنا درجة من البؤس الأخلاقي في الأداء السياسي والاقتصادي وكلاهما عصب حياة أي دولة، يؤكد العبث الذي طال هذا البلد الطيب.
وإذا كان الإبتلاء الذي عرفته الأمة في قضية الخليفة، قد حدث منذ قرابة الخمس عشرة سنة، في زمن لم يكن للـ"شكارة" دور كبير في تعيين رجالات البلدية والولاية والبرلمان وما فوق ذلك، كما كانت من حول الطيران والقناة التلفزيونية الخاصة والبنوك، فإن المواطنين سيصابون بالصدمة العنيفة عندما يفتح القضاء ملف سوناطراك، لأن الإبتلاء وقع في زمن بيع الذمم أمام الملأ، وحول آبار النفط، وبأيدي وزراء، وليس رجل مال وأعمال يدعى عبد المؤمن خليفة، على أمل أن لا ينتهي مسلسل محاكمة الخليفة كما انتهى مسلسل الطريق السيّار، وإلا فلا داعي لفتح ملف سوناطراك بأجزائه المتعددة.فإذا كان بعض المسؤولين قد باعوا أنفسهم وذممهم، مقابل بطاقة تدليك في حمامات "الصونا"، فمن حق الشعب أن يخاف على وطنه، لأن هناك من يريد أن يشتري ما هو أثمن من طيران الخليفة وبنوكه، بأثمان أغلى من بطاقة التدليك، حتى وإن اقترح وزارة خاصة بالتدليك واستورد شابات تايلنديات، على طريقة مسرحية الزعيم التي كتبها فاروق صبري، ولعب بطولتها عادل إمام.
لقد صار الجزائريون مقتنعين بأن أي مشروع أو أي تظاهرة تتبناها الدولة، إنما من أجل نهب المال العام، وصاروا مقتنعين بأن أي ثريّ أو مسؤول كبير يزداد جاها ويرتفع شأنا إنما بالاحتيال وبسند من رجال الظل الذين يصنعون منه درعا يخفون به وجوههم من الطعنات، فإذا كان أغنى جزائري الذي صار من نجوم عالم الكرة والفن والطيران قد لعب بمال الشعب وبالشعب أيضا بهذه الطريقة، وإذا كان الطريق السيّار الذي ابتلع قرابة العشرين مليار دولار، وسنوات من عمر الجزائر وسمّوه بمشروع القرن، قد أحرق مال الشعب وأعصابه، فلا أحد سيصدق بأن مئات ملايير عاصمة الثقافة العربية، ستذهب للثقافة وملايير مسجد الجزائر الكبير ستذهب في المآذن والقبب والمنابر، وأن ملايير الدولارات الذي أنجزت بها المدن الجديدة وخطوط الترامواي والسدود وغيرها من المشاريع لم يحدث فيها ما حدث في مشروع القرن ومع رجل القرن.
لقد تمكن عبد المؤمن خليفة أن يفتح لنفسه أبوابا مقابل منح بطاقة تدليك لهذا المسؤول، ومقابل إيصال إبن مدير عام لقيادة الطائرة وهو لم يحصل على شهادة البكالوريا، فكيف لا يفتح أثرياء الجزائر العميقة كل المدن والقرى بأقل جهد وأقل ثمن...؟
لـــ عبد الناصر
لـــ عبد الناصر
No comments:
Post a Comment