السلام عليك
عن الشيخ النوي
- هنا عليّ أن أعترف بعجزي على نشر كل الأفكار والآراء التي تصلني، لكنها تمثل بالتأكيد روحا وخلفية لمعظم مقالاتي، وليعلم القراء الأفاضل: أن مساهمتنا في الكتابة ـ أقصد جميع الكتاب ـ لا تعني أننا نملك أفكارا أهم منهم، وإنما لأننا سائرون في الحياة في مجرى أقدارنا، وطبقا للقاعدة الإيمانية القرآنية »ليقضي الله أمراً كانمفعولا«.
- كان لابد من هذا التوضيح قبل أن نترك القراء يتابعونمقال اليوم، الذي كان من المفروض أن أضع عليه اسمصاحبه، لكن طبيعة الاهتمام به تقتضي غير هذا.
- صاحب المقال عرف بنفسه، حين طلبت منه توضيحاحوله بعد أن وصلني مقاله، بقوله:
- »إنني من خريجي جامعة الجزائر ـ كلية بن عكنون، ليسانس حقوق دفعة 1989، أمضيت 35 سنة مطالعا وكاتبا لنفسي فقط، فأوراقي أحتفظ بها لذاتي أو أمزقها في أكثر الأحوال، لم أحضر النكسة ولاالعبور، لكني كنت شاهدا على أكثر التطورات في ثمانينيات القرن الماضي من استقبال »أبو جهاد«و»أبو إياد« إلى إعلان الدولة الفلسطينية.. إلى عودة شمس الإسلام التي أرادوها أن لا تطلع منالجزائر.. إلى صمت سنوات الدم والدموع.
- في كل هذا كنت أكتب إلى نفسي وأكتفي بوظيفة إدارية في مصلحة صغيرة مسلطة على رقاب البشر اسمها »الضرائب«.. ولاحظْ معي مستوى التناقضات التي أنا بصدد سردها.. مدينتي صغيرة كمدينتك اسمها »عين وسارة«.. آوي إلى مقاهيها كل مساء مع جمع يهوى التمنشير السياسي، ويتعارك على مستوى النقاش بين راقٍ ومنحطٍّ كبقية الجزائريين، لكنني من المواظبين على مقالات أكبر الصحفيين والكتاب بداية من أيام الكاتب المصري الراحل »أحمد بهاء الدين« في مقالاته »أيام لها تاريخ« ونهاية بكتاب أقلام الخميس.
- أمنيتي فقط أن أخرج إلى فضاء أوسع ولكنها قلة الحيلة، وفي أحيان أخرى اليأس«.
- للأخ الفاضل »النوي قحدون«، نقول لا يأس مع الشروق، فها هي تتيح لك فرصة نشرك أفكاركلأهميتها ولعمقها، فلنتابع مقال »قحدون« سويا:
- الآن وقد وضعت الحرب أوزارها في انتظار جولة أخرى من حملات المغول على بلاد العرب، وما أشبه اليوم بالبارحة. اليوم أتوقف مع نفسي وقفة المشدوه للماضي التليد مع ما يحمل في ثناياه مننجاحات وإخفاقات، ولحاضر لا يميّزه إلا تمزيق الممزق ومستقبل ينبئ بكل الاحتمالات.
- وحين يسجل التاريخ لأمة العرب هذه الأيام فإنما يحمل علينا أوزارا لن تمحى بفعل الأيام أو مبادرات السادة الأعزاء في القاهرة والدوحة والكويت، ولن يكون بالمقدور القفز على مجموعة من الحقائق التاريخية التي من الواجب أن ندركها، ودروسا وجب استخلاصها.
- لقد أدركنا في هذه الهجمة الشرسة من الوهلة الأولى أن أعينا عربية وعروبية ترعى الذي جرى وتبارك القتل والتدمير، لكن الذي أختلف فيه مع كثيرين حينما يحاولون إضفاء فعل الخيانة على النظام الرسمي العربي دونما فهم لواقع هذه المجتمعات، ويحاولون جاهدين تبرئة ذمة الشعوب بداعيالحصار السياسي وغياب الحريات ويتفاخرون أحيانا بخروج آلاف ممن تحدّوا الأنظمة أو بإيعاز منهاويختصرون المسألة في غياب ديموقراطية حقيقية.
- أنني وفي كل الأحوال أتفهم وجهة النظر هذه دون أن أكون مقتنعا بواقع الحال الذي يصدع بمنطق التصرف، والتصرف الذي رأيناه لا يشرف الشعوب العربية التي يدعي البعض أنها مغلوبة على أمرها، وفي ذلك إجحاف حقيقي، ولأن الواقعية السياسية هي منطق هذا العصر، فإنني أجزم أن الشعوب تسير في فلك منطق حكامها وأكبر دليل على ذلك هذا التناغم الذي رأيناه بين أكبر نظام عربي وشعبه، كان يمكن لبضعة آلاف من المصريين التوجه إلى رفح وينتهي الحصار أو على الأقل خلق أزمة حقيقية تعبّر عن صوت الشعب العربي الواحد المتضامن مع غزة، لكنني رأيت نظاما يثابر على فرض تسويةبمنطقه وسبعون مليون جائع ينتظرون المكاسب والمساعدات.
- لقد بدأ هذا التناغم مع عصر الانفتاح الاقتصادي واتفاقية السلام ووصول المساعدات والمعونات وتدفق الإستثمارات، وامتلأت بطون بعض الجوعى ووصل إلى الكثيرين ما يسدون به جوعهم، بعدها كان من الواضح أن الكرامة العربية يجب أن تدخل المتحف وراح أصدقاء آخرون يستعيضون بدفعالصدقات وتخليد أسمائهم في أرض الكنانة تعويضا عن هذه الكرامة الضائعة وسط الأوحال.
- حين تم ذلك كله استقر الأمر على ترك خلفية ومرجعية المقاومة وهي في الأساس كرامة العرب جميعا، ولعل بقايا هذه المرجعية وجدت لدى بعض الفقراء والمحسوبين على التيار الإسلامي في مصر، أما في الخليج فقد تناغمت مداخيل النفط مع العمائم البيضاء فنزعت عن وجوهها صدأ الشمس الحارقة، وراقت لها مفاتن الحياة التي يسمونها تنمية بشرية.
- إذن أصبحت الدولة القطرية تتحكم في زمام القرار السياسي وبدفع فيه كثير من النفاق السياسي من طرف الشعوب، أما عن فلسطين فقد أرادها المرحوم »عرفات« استراحة محارب لكن الاخوة استلذوا أمرها فانقلبت إلى هدنة لا نهاية لها، ممسوخة بكل ألوان الفساد الفردي والجماعي، وشبّ جيل هناك ارتوى بأفكار الجهاد دون قدرة على المناورة أو المواجهة المحسوبة وتوزعت البقية في الوطن العربي بين السودان والجزائر تحلم بالقدس والصلاة فيها كما وعدهم عرفات لكنهم لا يدركون أنهميستطيعون الصلاة فيها بشرط المرور على تل أبيب.
- وفي الصالونات مثقفون يجهرون بمواقف المقاومة ويمزجونها بالشعر وهي بضاعة مستوردة أو محليةقد تضفي نوعا من الوعي لكنه ممزوج بعاطفة عربية جياشة تنتهي مع تفرق الجمع إلى مصالحهم.
- على العموم، فإن الشعوب العربية فقدت القدوة فراحت تمارس عملية نفاق سياسي مع حكامها حتى تؤمن لقمة العيش والأمان، مع العلم انني ممن يعتقدون بنظرية يحاول البعض طبعها بالسذاجة،لكنها مع مرور الأيام تثبت صحتها وهي: أن مصر الموصوفة بالبعد الاستراتيجي لفلسطين القضية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تسوية ومن أي نوع في المنطقة، لأن بقاءها وبقاء شعبها على هذا الحال ببساطة شديدة لن يكون، وهي نظرة يعلمها الإسرائيليون قبلنا ويعملون على تسخيرها بكافة الوسائل لأنها تساعدهم على البقاء أيضا، ولو لم توجد حماس لأوجدت مصر حماس.
- الملاحظ أن المجتمع المصري بكافة أطيافه يردد عبارة نهاية عصر الحروب مع إسرائيل، ويقابل ذلك جهدا دبلوماسيا على صعيد القضية الفلسطينية، والهدف دائما أن نظرية اللاّتسوية تعني البقاء وتعني السيطرة وتعني الاستثمارات والمعونات، ومن هذا المنطلق فإن مصر مستعدة لحرب دبلوماسةوضرب من وراء الظهر لا هوادة فيها مع قطر وتركيا، لعل الأيام القادمة سوف تجيبنا على درجة التحييدالتي سوف تتعرض لها تركيا وحجم الخطر الداهم الذي ينتظر قطر وجزيرتها.
- الإخوة في قاهرة المعز كانوا يستشيطون غضبا وغيرة من دخول سوريا في مفاوضات غير مباشرة معإسرائيل لأنها تمر عبر طرف إقليمي كبير هو تركيا، ولم يسترجعوا أنفاسهم إلا مع إعلان فجائي من سوريا بالاسحاب من هذه المفاوضات، وكانت القاهرة قبل ذلك تتمنى ولو التحاما جزئيا في الجولانحتى يتسع الدور، وتكثر المكاسب، أما تركيا فسوف تدفع دفعا من أجل الرجوع إلى حضن إسرائيل،بهدف تحييدها عن الساحة نهائيا.
No comments:
Post a Comment