blog spot

Tuesday, December 15, 2015

لغة الحيوانات في خطابنا السياسي

article-title

لغة الحيوانات في خطابنا السياسي



عندما تغيب الأفكار ضمن الخطاب السياسي، تحلّ محلها العبارات النابية أو الأمثلة السخيفة التي يُعطيها الإعلام أحيانا مضامين أكبر مما تَضمَّنته بالأساس، وأحيانا أكثر مما يفهمه أصحابها
أصبح هذا باديا اليوم في أكثر من خطاب، وأكثر من مناسبة، إلى درجة تجعلنا نتساءل عما يمكن أن يُقدِّمه هؤلاء المتحدثون في الشأن السياسي من مَثلٍ للشباب حتى يكتسبوا لغة سليمة وراقية تُمكِّنهم من تحميل خطابهم بالأفكار بعيدا عن كل ابتذال في الشكل والمضمون؟
التشبيه بالحيوانات بدل بني البشر، واستعارة المعاني من الكلام المسكوت بدل الكلام المسكوك، أصبح من صميم الخطاب السياسي السائد اليوم، فهذا يتكلّم عن العتارس والخنافس، وذاك عن الدجاجة والبومة، وثالثٌ عن الديناصورات والكلاب والديكة.. وآخرون لا يتمكنون من أساليب البلاغة في الكلام إلا بالإكثار من التجريح أو المديح أو الاستشهاد بأهل الطرب والزرد بدل العلماء والفقهاء...
هي ذي لغتنا السياسة اليوم.. ولو أَعاد "برنارد لويس" صياغة كتابه "لغة السياسة في الإسلام" لاحتار في ما يكتب عن قوم لم تعُد لهم لغة ولا مرجعية في الحديث؛ إذ لم نبلُغ هذه الحالة حتى في زمن ما عُرف بالانحطاط أو عصر ما بعد الموحدين، على حد تقسيم مالك بن نبي رحمه الله.
في تاريخنا القديم كان هناك فقهاء السياسة الشرعية، وكان هناك كُتاَّب الآداب السلطانية، ولم يكن من بينهم من ابتذل في الحديث أو انحطّ إلى هذا المستوى. 
عندما كان معنى الآية الكريمة "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] مفهوماً، وكان معنى ما ورد في الحديث "وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عزّ وجلَّ بها قلة" مُدرَكا، وحينما كان الناس لا يتنابزون بالألقاب، وكانت الاستعارات في الغالب ذات طبيعة سوسيولوجية عند وصف المعارضين (خوارج، معتزلة، صوفية...) أو ذات ارتباطات فكرية (جهمية، أشعرية، ماتريدية...)، حينها كان بإمكاننا الحديث عن وجود شخصية أو شخصيات قاعدية للأمة.
 أما اليوم وقد هيمنت نوعية من البشر بلا قواعد فكرية أو ثقافة سياسية، بدأنا نُدير السياسة بما انحطّ من عبارات وما قلَّ من أفكار، فلا نزيد عن القول إنه منذ أن انتصر اللاعنون والقادرون على قول أسوأ من الكلام البذيء في مؤتمر طرابلس ـ والحقيقة موثقةـ على النخبة المفكِّرة والقادِرة على قيادة البلاد، وأُزيحت هذه الأخيرة عن القيادة، ونحن نعيش الواقع مقلوبا وما نحصد اليوم إلا ما زرعناه بالأمس.

No comments:

Post a Comment