blog spot

Wednesday, December 16, 2015

عنايـة الإسـلام للبيئـة والمناخ


عنايـة الإسـلام للبيئـة والمناخ
الدكتور عبد الحق حميش



اجتمعت دول العالم، خلال الأيّام الماضية بفرنسا، لمناقشة قضايا المناخ وكيفية المحافظة على البيئة، وديننا الإسلامي سبق جميع الأنظمة والدول وسنّ التّشريعات الّتي من شأنها يتم المحافظة على بيئتنا الّتي نعيش ونحيا فيها.

إنّ حماية البيئة واجب كلّ إنسان، لأنّ المجتمع الرّاقي هو الذي يحافظ على بيئته ويحميها من أيّ تلوث أو أذى لأنّه جزء منها ولأنّها مقر سكناه وفيها مأواه ولأنّها عنوان هويته ودليل سلوكه وحضارته، وكما يتأثّر الإنسان ببيئته، فإنّ البيئة تتأثّر أيضًا بالإنسان. فدعا الإسلام إلى الحفاظ على نظافتها وطهارتها وجمالها وقوّتها وسلامتها ونقاء مَن فيها والمحافظة عليه.

وفي صورة أكثر تصريحًا وتعبيرًا في الحثِّ على المحافظة على البيئة وجمالها، ما ظهر في قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام حين سأله أحدُ الصّحابة: أَمِنَ الكِبْرِ أن يكون ثوبي حَسَنًا ونعلي حَسَنة؟ فقال له الرّسول: “إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْـجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْـحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ”، ولا شكَّ أنّ من الجمال الحرصَ على مظاهر البيئة الّتي خلقها الله تعالى زاهية بهيجة.
لقد اهتمّ الدّين الإسلامي بالبيئة بمفهومها الواسع ومواردها المختلفة الحيّة وغير الحيّة، وأظهر أسس التّعامل معها بحيث يمكن حمايتها والحفاظ عليها.

وقد نهى عن الإسراف بكلّ أشكاله السّلبية سواء في المأكل والمشرب وغير ذلك من الموارد الطّبيعية الأخرى، وهذا ما تؤكّده الآيات القرآنية والأحاديث النّبويّة الشّريفة. قال الله تعالى: “يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرَّ بسعدٍ وهو يتوضّأ فقال: “ما هذا السّرف يا سعد”؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: “نعم، وإن كنت على نهر جار”، كما نهى صلّى الله عليه وسلّم عن تلويث المياه، وذلك بمنع التبوُّل في الماء الرّاكد.

إنّ الإسلام يهتم بالبيئة اهتمامًا يجعل الحفاظ عليها نوعًا من أنواع العبادة. فالبيئة مخلوقة مثل الانسان ومكلّفة بالسّجود لله تعالى وتسبيحه ولكن بطريقة لا يعلمها إلاّ الله فهي نعمة تستوجب الشُّكر والمحافظة عليها والاستمتاع بها.

وفي الأحاديث الشّريفة دعوة صريحة إلى التّعاطي الإيجابي مع مكوّنات البيئة بمائها ونباتها وحيوانها وهوائها وغيرها وفي ما يلي إطلالة على ذلك:
ففي مجال الحفاظ على الثّروة النباتية، دعا الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا إلى استزراع النباتات والأشجار وحمايتها وحثّ على التّشجير والزّراعة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما من مسلم يَغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلاّ كانت له به صدقة”.

وهناك ركائز أساسية لرعاية البيئة يأتي في مقدّمتها إحياء الأرض الموات وتنمية الموارد، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: “مَن أحيا أرضًا ميتة فهي له”، حتّى إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتزع أرضًا كانت مقطوعة إلى رجل يسمّى بلال بن الحارث المُزّني لأنّه لم يستطع أن يعمرها كلّها.

وأيضًا زراعة الأشجار، ففي الحديث النّبويّ: “مَن نصب شجرة، فصبر على حفظها والقيام عليها حتّى تثمر، فإنّ له في كلّ شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عزّ وجلّ”.
وفي محيط الإنسان، أُمِرنا بالنّظافة والتّطهير: قال تعالى: “وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ”، وإنّ الطّهارة من الوسائل الّتي حرص الإسلام عليها واعتمدها كوسائل مجدية في حفظ البيئة، والدّين الإسلامي لا نظير له في مدى اهتمامه بالنّظافة حتّى ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: “النّظافة من الإيمان”. وقد حثّ الإسلام على النّظافة والاغتسال وحسن الهندام خاصة في المناسبات كصلاة الجمعة والعيدين، يقول الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، وأيضًا المحافظة على الموارد وعدم إفسادها بالتّلويث والإسراف أو بإشاعة الظّلم، يقول الله تعالى: “وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا”.

ودُعينا إلى حسن استخدام الطّرق وإزالة الأذى والضّرر عنها، فقد أكّد عليه الإسلام ورغّب فيه انطلاقًا من أحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلاّ اللَّه وأدناها إماطته الأذى عن الطّريق…”.

وإنّ الإحسان للبيئة من الرّكائز الأساسية لرعايتها، وكلمة الإحسان تتضمّن الشّفقة والإكرام، فقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يُميل للهرّة الإناء حتّى تشرب، وقد كان عمر بن عبد العزيز يَكتب إلى عمّاله ألاّ يحملوا الإبل فوق ما لا تُطيق، وألاّ يَضربوها بالحديد.

وهناك العديد من الوسائل الّتي يمكن استخدامها لحماية البيئة ورعايتها، منها تربية النّشء على الوعي البيئي وتبصيره بموقف الإسلام من البيئة ورعايتها، وتثقيف الجماهير عبر وسائل التّثقيف المختلفة، وإيقاظ الضّمير الدّيني والاجتماعي في رعاية البيئة مع سنّ بعض القوانين والتّشريعات الّتي تحافظ على البيئة من أيدي العابثين.

فهذه هي نظرة الإسلام والحضارة الإسلامية للبيئة، تلك النّظرة الّتي تُؤْمِنُ بأنّ البيئة بجوانبها المختلفة يتفاعل ويتكامل ويتعاون بعضها مع بعض وفْق سُنَنِ الله في الكون الّذي خلقه في أحسن صورة، ووجب على كلّ مسلم أن يُحافظ على هذا الجمال.
* كلية الدراسات الإسلامية/ قطر

No comments:

Post a Comment