blog spot

Sunday, March 20, 2016

ريحة البلاد ..


عندما يُغادر الواحد منّا بلده نحو أيّ بلد آخر، تتملـّكه تلك الوحدة. تلتقي جزائريين خارج الجزائر، لكن بمرارة تستمع إلى حكايات "ملـّيت من الغربة"، وتتقطع وأنت تلتقط كلمات ليست كالكلمات تستمدّ روحها من "الوحشة" والبحث عن "ريحة البلاد".
نغار نحن عندما نحطّ الرحال هنا أو هناك، لا نحسد، لكننا نريد أن نعمل بالمثل القائل "عاند ولا تحسد"، عندما يتعلق الأمر بالابتكار والتطور والإبداع من أجل هذا البلد الذي يستحقّ كلّ العرفان والتقدير والاعتزاز والتضحية.
نلتقي بأصدقاء وزملاء و"أولاد البلاد" غادروا بلادهم مخيّرين أو مضطرين، تسمع من أغلبهم خطاب الشوق والتشويق، كلهم يرغبون في العودة. يحنون إلى أمهاتهم وعائلاتهم ومسقط رأسهم، وبلدهم هذا الذي غادروه من أجل العمل وتحسين ظروف حياتهم ومن أجل غد أفضل.
صدق من قال: "كلّ خنفوس عند يمّاه غزال"، فبلدك هو الوحيد الذي يراك "غزالا" حتى وإن كنت "خنفسا"، وهذه هي المعادلة الطبيعية والغريزية التي تتعامل بها كلّ أم تجاه ابنها، حتى وإن كان عاقا، أو تمرّد عليها في لحظة طيش أو جنون أو "حبّة فهامة"!
جامد هو و"ميّت قلب"، من لا يُريد أن ينقل كلّ جميل في الغربة إلى بلده، ومخبول هو من يرفض مساعدة بلده وخدمتها بنقل تجارب الآخرين الناجحة والمفيدة.. ولا يستحقّ الاحترام هذا الذي يرى ولا يتأثر، أو يرى ولا يغار، أو يرى ولا تدمع عيناه، ليس ارتعاشا وانبهارا، ولكن رغبة في استنساخ كلّ نجاح وتقليد كلّ انتصار!
هي مهمة ملقاة على عاتق كلّ مغترب يسترزق خارج بلده، وكلّ سفير وقنصل يصول ويجول باسم تمثيل البلد، وكلّ وزير ومسؤول يزور مختلف البلدان في إطار "مهمة عمل"، ومهمة كلّ إعلامي ينتقل هنا وهناك ليكتشف تجارب الآخرين..إنـّما أيضا مهمة كلّ مستثمر أو حتى سائح يُغادر للنزهة ثم يعود ليحكي ويُحاكي!
على كلّ هؤلاء أن يستغلوا رحلات الذهاب والعودة، من أجل خدمة هذا البلد الآمن، والمشاركة في تطويره، والمساهمة في تبديل العقليات البالية، وفي عودتنا إلى أصلنا وفصلنا، فالعودة إلى الأصل فضيلة، وهذا لا يعني الفرملة والبسملة من دون الحمدلة، أو الاستسلام لما هو كائن من دون تحقيق ما ينبغي أن يكون من منافع ومكاسب!
يؤلمنا كثيرا عندما نرى نماذج نجحت في التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والأجمل في هذا النصر، أنه بلا عقدة ولا نقص، ولكن هذه الفسيفساء هي التي أكسبتهم احترام الآخرين وفرضت عليهم التعامل معهم الندّ للندّ، فالقويّ قويّ بأمجاده وحضارته وتاريخه وقدرته على التطوّر من دون تناسي جدّي وجده!

No comments:

Post a Comment