blog spot

Friday, March 18, 2016

جزائريون أسرى تكنولوجيا الاتصال الحديثة





صار الاستغناء عن وسائل التواصل الحديثة، على غرار الحاسوب والهاتف النقال، مستحيلا في وقتنا المعاصر، فبغض النظر عن هوية الشخص وسنه والطبقة التي ينتمي إليها، ومستواه العلمي، وجد أغلبهم نفسه رهينة هذه الآلات الصغيرة التي ترافقهم كالبوصلة حيثما ذهبوا. “الخبر” جسّت نبض الجزائري ونقلت تفاصيل عن علاقته مع أجهزة التواصل.

يجلس عادل في ساحة أودان بقلب العاصمة منهمكا بهاتفه الذكي الذي تحمله يداه والابتسامة تطبع وجهه من حين لآخر دون أن يرفع رأسه عن هاتفه. كان يسبح في فضائه الافتراضي غير آبه بما يجري حوله، رغم أن الحركة كانت لا تكاد تنقطع. قررت حينها كسر جولته الافتراضية والعودة به إلى عالمه الحقيقي لعلَه يكشف لنا القليل من علبة أسراره، لكنه لم يرد التحية ولم يرفع حتى رأسه.

حكاية الجيل الثالث والبكالوريا
حاولت أن أكون فضوليا أكثر وعدت لإلقاء التحية من جديد، وأخيرا قطعت له رحلته، فطلبت منه وضع هاتفه النقال جانبا حتى يتسنى لي الحديث معه للحظات، فأطلق ابتسامة ساخرة محركا رأسه يمينا وشمالا، وعاد للإبحار من جديد عبر بوابة غالاكسي” الذي بين يديه، قبل أن يستطرد قائلا “ما تزيدش تعاود هدرة كيما هادي”.

مهما كان الموضوع الذي كنت أريد الخوض فيه مع محدثي، لكنه لم يكن مهمًا لدرجة استغنائه عن هاتفه النقال. وبعد أن كشفت له عن هويتي بادلني أطراف الحديث، لكنه ظل يتفقد الرسائل التي كانت تتدفق على هاتفه بين الفينة والأخرى، قال أمين، طالب جامعي في السنة الأولى بكلية الحقوق، مشيرا إلى هاتفه “طبعا هذه الآلة الصغيرة من المستحيل الاستغناء عنها، ولا تنس أن تواجدي اليوم في الجامعة يعود الفضل بنسبة كبيرة إليها”، في إشارة منه إلى الجيل الثالث الذي صنع الحدث السنة الماضية في البكالوريا واستعمله المترشحون في الغش في الامتحانات.

النقال أكثر من ضروري
تركنا أمين وواصلنا نستطلع رأي الجزائريين في الموضوع، وكان لنا حديث مع مريم، طالبة هي الأخرى بجامعة التسيير والاقتصاد ببن عكنون في العاصمة، وما أن فاتحناها الموضوع حتى استرسلت تقول “قبل أيام خرجت بخطى متسارعة باتجاه محطة حافلات نقل الطلبة للوصول بالحافلة التي تنطلق على الساعة التاسعة صباحا من باب الزوار باتجاه بن عكنون، ولما ركبت الحافلة تفطنت بأن هاتفي ليس معي، فوجدت نفسي مضطرة للعودة إلى المنزل، وأجلت الرحلة للساعة العاشرة، وطبعا وصلت متأخرة عن الدراسة”، وأضافت مبتسمة “المهم أن هاتفي كان بحوزتي”.

أما مراد صاحب العقد الثالث، وهو رجل إعلام، فيرى بأن الهاتف النقال قطعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها أثناء مزاولة مهنته أذكر يوما أني نسيت هاتفي النقال في المنزل والتحقت بمنصب عملي، فكدت أفقد صوابي، وتعذر عليا الحصول على الكثير من أخبار تلك الساعة”.

وإن كان الهاتف النقال أكثر من ضروري لدى الكثير من الجزائريين، فإن هناك فئة أخرى أصبحت مدمنة عليه. يقول كمال سائق أجرة بالعاصمة يحتك يوميا مع المواطنين “هناك بعض الزبائن، وبالخصوص النساء منهم، لا يمسكون عن الكلام منذ صعودهم على متن السيارة حتى نزولهم، يتحدثون مع معارفهم بالساعات ويخوضون في أمور تافهة دون أي حرج”، وما يبعث على الاستغراب أكثر، يضيف السائق، “حين أسمعهم يقولون إنهم يتكلمون بالمجان. أي مجان يقصدون وهم يدفعون على الأقل 100 دينار جزائري مقابل استفادتهم من تلك الدقائق”.

فيروس أخلط أوراقه
قائمة الأسرى الذين وقعوا في فخ تكنولوجية الاتصال تبدو طويلة، والسن فيها لم يصبح استثناءً. وحال أمين ومريم لم يعد يختلف كثيرا عن حال الشيخ سليمان المتقاعد في عقده السادس، الذي رغم أنه لم يكتشف سحر تلك الآلات حتى بدأ الشيب يأكل رأسه، إلا أنه لم يلبث أن وجد نفسه عاجزا عن التخلي عنها.

يسترسل الموظف الإداري المتقاعد والابتسامة تشكل أحرف كلامه، بأن تعلَقه بالإنترنت زاد أكثر بعد تقاعده. “كل صباح أشرب قهوتي وأنا أتصفح عناوين الجرائد الإلكترونية على حاسوبي المتنقل، وطبعا حسابَّي في فايسبوك وتويتر أفتحهما منذ الساعات الأولى من النهار”. ويتابع بلهجة تهكمية “قبل أيام هاجم فيروس خطير برنامج حاسوبي، فتعطل ولم أجد البديل سوى بحمله والبحث عن مضاد لفيروسه، وبقيت أتنقل به من طبيب لآخر، وفي الأخير كلفني إصلاحه ألفا دينار جزائري”.

أرقام
تمكن الهاتف النقال، في غضون 29 سنة من ظهوره، أن يرافق أكثر من 45 مليون زبون، منهم 8 ملايين مشترك في تقنية الجيل الثالث، حسب آخر التقارير الإعلامية، هذه الأخيرة أرجعت السبب إلى انخفاض تكاليفه وسهولة استعماله، ناهيك عن المميزات الأخرى كالتطبيقات وبرامج التواصل الاجتماعي

No comments:

Post a Comment