blog spot

Monday, March 21, 2016

"التكيف" مع الدخان

 لأن شهر مارس هو شهر كل الأعياد الدنيوية، من المرأة إلى المعوق إلى الشجر.. إلى الحجر، فإن الإعاقة عندنا هي في كل الأشياء، حتى في الشجرة التي نحيي عيدها العالمي بعد يومين من عيد المعوق..يوم 16!

دعونا نتحدث عن الشجر في بلاد الإسمنت والحجر! الكل يعلم ويرى بأذنيه ويسمع بمناخيره "بالجزائر البيضاء" و"الجزائر الخضراء" وبعبارة ابن خلدون على لسان الخليفة الفاطمي المستنصر لبني هلال "اذهبوا إلى إفريقية الخضراء"، ! لكن، أين هي الخضرة والشجرة من كل هذا بعد أن غزت شوارعنا وساحاتنا المساحات والبنايات الإسمنتية والخرسانة "المسلحة"؟ يبدو أننا كما وصف ابن خلدون أعراب هلال والأثبج ورياح وسليم والمعاقيل "نأتي على الخضر واليابس"، وعندما ندخل مدينة، كما دخلها بنو سليم في القرن 11 م، ليحرقوها ويخربوها عن بكرة أبيها وثم يخرجون منها "منتصرين"، ومنها كانت عبارة ابن خلدون التي صارت تقال في غير موضع "إذا عُربت، خُربت"!
ساحاتنا العمومية تكاد تتحوّل إلى صحاري، ناهيك عن أن كثيرا منها أكلته صفائح "الكارلاج والإسمنت والبيطون"! أشجار الزينة تقلع وهي صغيرة من طرف أبنائنا الغر الميامين! وكأننا أصلا ضد الشجر وضد الطبيعة! نمارس عنفنا الحضاري ضد الحضارة الطبيعية، شعبا ومسؤولين ..غير مسؤولين ولا سائلين عنا ولا عنها! 
نمت لأجد نفسي مسؤولا محليا أمارس التطهير "العرقي ضد عروق" الشجر لأحولها إلى حجر! جاءني "مستثمر" صاحب "شكاير" لأمنحه قطعة أرض لبناء قاعة حفلات! قالها لي بالفرنسية المكسرة لأنه أمي (وأبي!) مزدوج الأمية، أمي عصامي..مثلي تماما، تخرجنا من نفس المعهد "معهد بني أمية"! باغي نبني "salle fête"، أعطاني الشكارة وأعطيته ورقة ليحتل مساحة خضراء بالقرب من مدرسة! هذه الصالة كنت أقيم فيها أعراس بني أعمامي وأصحابي وخالتي وبنات عماتي ونساء غير المؤمنين بنصف السعر وأحيانا مجانا! أما الأطفال، فصاروا يلعبون خلف الصالة..في الشارع، مما أدى إلى وفاة أكثر من 3 في عام! بسبب سرعة السيارات، "فشيّدنا" ممهلات! الطائرة إذا فاتت "توشي الدودان!"، وانتقلنا من حوادث الأطفال إلى حوادث السيارات في نفس المكان بسبب اضطرار السيارة لكي تتوقف وتفرمل لكي"تصعد" أعالي"الضوضان"، ثم تهبط! فتدخل فيها سيارة من الخلف قادمة على عجل .. وليس على عجلات!
جاءني أخر ليقول لي إنه يريد أن يستثمر في القطاع السياحي الذي تأمرنا به الحكومة، لكن بإعطائه الحديقة العمومية وحديقة الحيوانات ليحولها إلى مجمع للتزحلق على الجليد! أو بالأحرى على "الجلد"! جليد بلاستيكي مستورد من أستراليا، فتقاسمنا المشروع، واليوم الحمد لله، كل من يريد أن يتزحلق، فليزحلق مع المتزحلقين وسنعمل على زحلقته كل من تزحلقه نفسه، إلى أن تتم الزحلقة التامة لكل الزلاحقة فيه، آخر، منحته حق نزع 30 نخلة على رصيف عريض لشارع رئيسي من أجل إنشاء "مسلسل" أكشاك لبيع التبغ والشمة! الدخان يعلو العمارات في نفس المكان الذي كانت تعلو فيه هذه النخلات العجوزات الباسقات، التي لا تلد لا بلحا ولا حمص: عجوز عقيم! ماذا "نندب" بالنخل العقيم؟ لم نهتم حتى بنخيل الصحراء، نعطي أهمية لنخيل "باطار"؟ من خير؟ الدخان أم النخيل؟ من فيكم يكمي سعف النخل؟ لهذا، المنفعة أحسن من المضرة، والمضرة في النخيل لا في الدخان!
وأفيق وسط غيمة دخان مجموعة شباب "مزاطيل"، كانوا "يتكيفون" مع الوضع تحت شجرة في فضاء عمومي! 

يكتبها عمار يزلي

No comments:

Post a Comment