blog spot

Thursday, April 23, 2015

حصاد ما بعد "عاصفة الحزم"


عاصفة الحزم التي بدأت خارج الشرعية، وسوف تتواصل بغطاء قرار أممي تحت البند السابع، لم تنه السيطرة الحوثية كما لم تُعِد الشرعية، لكنها تكون قد حققت أهدافا جيوـ إستراتجية كثيرة، عمدت إليها السعودية كرأس لمحور عسكري عربي يُستنفر للمرة الأولى أمام التمدد الإيراني، في انتظار اجتياز الاختبار الفاصل في قضية العرب الأولى، وتعديل الكفة مع الكيان الصهيوني.
من دون سابق إنذار، أوقفت "عاصفة الحزم" بعد أربعة أسابيع من القصف اليومي المركّزلمواقع قوات الحوثيين وحلفائهم في الجيش اليمني، دون أن يُحسم الموقف عسكريا، حتىوإن كان في الخفاء قد ساعد على تليين بعض المواقف، وظهور استعداد غير معلن للدخولفي تسوية.
جميع الأطراف كانت تبحث في السرّ عن طرف يُنزلها من الشجرة؛ فالسعودية لم تكن بحاجةإلى إطالة عمر حملة عسكرية ضد بلد عربي فقير، موبوء بالفتن والحروب، ليس فيه بنكأهداف عسكري يحتاج إلى أكثر من أسبوع من القصف، وثبُت أن الحوثيين قد فقدوا فيالأسبوع الأول القدرة على نقل التهديد إلى أراضي المملكة السعودية، كما كان يهدد بذلكعبد المالك الحوثي والأمين العام لحزب الله وقادة إيران، وتأخرت المفاجآت التي توعدوا بهادولَ الخليج، وغاب زعيم الحوثيين عن المشهد منذ قرابة الثلاثة أسابيع، ولم يظهر حتىيوم أمس الأول بعد إعلان السعودية عن وقف "عاصفة الحزم" واستبدالها بما سمي بعملية"إعادة الأمل" التي سيتوقف فيها قصفُ المنشآت العسكرية والبنية التحتية، والاكتفاءبـ"منع القوات الحوثية من تهديد المدنيين" كما قال البيان.
قرابة 2600 قتيل، وآلاف الجرحى هو الثمن الذي دفعه اليمنيون حتى تتحرك على استحياءقوى عربية وإقليمية ودولية لمساعدة اليمن على العودة إلى سبل التسوية السياسية، التيكانت ممكنة قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة ومعظم محافظات اليمن، وظلت قائمة حتىبعد فرار الرئيس عبد ربه إلى عدن، وكانت ممكنة في الأسبوع الأول من بداية الحملة، لو لميركب الحليف الإقليمي للحوثيين بدوره الشجرة، وسارع إلى استعراض العضلات، ليضللحلفاءه، ويغريهم بالمضيّ في مواجهة كانت منذ البداية غير متكافئة.
الضربة القاضية للحوثيين لم تأت من طائرات التحالف، بل نُفذت داخل مجلس الأمن، بتمريرقرار تحت البند السابع، هو الذي سيمنح "الغطاء الشرعي" لمواصلة العمليات العسكريةوالحصار حتى يذعن الحوثيون، وقد قطع أمامهم سبل التمويل وتجديد مخزون الذخيرة، كماأفقدهم القدرة على مواصلة تحمّل أعباء إدارة بلد فقير يقطنه 30 مليون نسمة، يحتاج إلىكل شيء، بعد أن دمّر القصف معظم المنشآت القاعدية والخدمية فيه، وحُرمت "الحكومة"القائمة بعد "الانقلاب" من إدارة توزيع المعونات الدولية وتسيير الخدمات.
بعض قادة الحوثيين، والإعلام الإيراني وفروعه في "محور الممانعة"، سارعوا إلى تصديرخطاب يقول بـ"انتصار الحوثيين، وفشل حملة عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها المعلنة"وهو خطابٌ حماسي تعبوي ليس أكثر، توقف عند المظهر العسكري للحملة، التي كانالجميع يعلم أنها لن تحسم المواجهة العسكرية، حتى وإن كانت قد حققت الهدف الأول الخفيّللسعوديين بتحييد القوة الجوية والصاروخية، بل الأرجح أنه لم يكن في نيّة السعوديين إنزالقوات برية، لا قبل ولا بعد بداية الحملة، وقد اكتفت بتعزيز قواتها على الحدود، ولم تشهدالأراضي السعودية وصول أي قوات برية عربية من المشاركين في التحالف، وكان الرهانالسعودي منذ البداية على القبائل اليمنية، وما سُمي بـ"المقاومة الشعبية" وعلى ظهورانشقاقات داخل الجيش اليمني، وهو ما حصل، بما يضمن اليوم للتحالف وجود قوات بريةمن اليمنيين تواصل القتال على الأرض بالوكالة.
من الناحية الجيوسياسية الصرفة تكون السعودية قد حققت من الأهداف فوق ما كانت تسمحبه قوتها الذاتية المتواضعة، ودون ما كان يطمح إليه حلفاؤها في اليمن والإقليم. وفي الحدالأدنى، تكون قد نصبت نفسها كرأس قائد لمحور عربي إقليمي معني بإعادة ترتيب الأوضاعفي منطقة الشرق الأوسط.
على المستوى العربي والإقليمي، نجحت المملكة في إقناع تسع دول عربية على رأسهامصر بالمشاركة في حملة عسكرية بدأت خارج أي "غطاء شرعي" عربي أو أممي، أنتجتلها ولبعض حلفائها، سابقة قد تتكرر في مواقع أخرى: في البحرين، أو ليبيا، أو في أي بلدخليجي آخر قد يتعرض لما تعرض له اليمن، وقد نجحت "عاصفة الحزم" في رسم حدود لماهو محرّم على بعض الدول الإقليمية المجاورة للعرب على رأسها إيران، وسوف يتعزز هذاالموقف أكثر مع بداية تشكيل القوة العربية المشتركة، وبناء ما يشبه  "نيتو عربي" لهنفس الوزن العسكري لإيران وتركيا، أو حتى للكيان الصهيوني، لا يبدو أن القوى العظمىتعارضه وهي تتأهب لاستكمال الصفقة مع إيران، وتحتاج إلى قوة عربية ذات وزن، تعفيهممن التدخل المباشر، سواء لمنع الصلف الصهيوني من المغامرة، أو لتعطيل مسار التمدّدالإيراني، وصرف الأتراك عن أحلام اليقظة باستعادة إرث العثمانيين على حساب العرب.
إنهاء القصف الجوي الذي لم ينهِ الحرب في اليمن، سيساعد الرأي العام العربي على العودةلمتابعة مأساة عربية أخرى ينفذها التحالف الغربي الإيراني في الأنبار والموصل لتحريرهامن قبضة "داعش"، حربٌ تُنفذ مثل "عاصفة الحزم" دون أي غطاء شرعي عربي أوأممي، لن تلتفت إلى ضحاياها المدنيين لا المنظماتُ الإنسانية ولا الإعلام العربي والإيرانيالذي يكيل مثل الإعلام الغربي بمكيالين.

لــ حبيب راشدين 

No comments:

Post a Comment