blog spot

Thursday, April 16, 2015

كتاب من قتل في بن طلحة ؟


السلام عليكم ورحمة الله



كتاب من قتل في بن طلحة 
ل نصر الله يوس




“مَن قتل في بن طلحة؟ وقائع مذبحة مرتبة”: أسئلة كثيرة حول جريمة تريدها السلطات الجزائرية أن تظل بدون عقاب.
عندما تنتهي من قراءة كتاب نصر الله يوس “من قتل في بن طلحة؟ وقائع مذبحة مرتبة” يصيبك حزن لا يوصف وتنتابك رغبة عميقة في البكاء بدون انقطاع.لأن التفاصيل التي يرويها الكاتب جديرة بأن تُصنف “جرائم ضد الإنسانية” و”أبادة جماعية للجنس البشري”.
ويؤلمك أكثر أن الجريمة كانت في معركة غير متكافئة بين أبرياء عزّل تُركوا لمصيرهم فقُتلوا بوحشية وقتلة مدججين بالسلاح والحقد.
وإذا كانت مذبحة بن طلحة وصمة عار في جبين الوحوش الذين أقترفوها, فهي كذلك في جبين الجيش الجزائري وقادته بسبب تقصيرهم في حماية الضحايا مما رفع حصيلة الدمار والموت إلى ما وصلت إليه.
يروي الكتاب الذي صدر قبل أسبوعين عن دار “لاديكوفرت” الفرنسية, بمساعدة الصحافية الجزائرية سليمة ملاّح, تفاصيل مذبحة بن طلحة التي وقعت ليلة 22\ 23 أيلول (سبتمبر) 1997 وراح ضحيتها ما لا يقل عن 300 جزائري في قرية تقع على بوابة العاصمة ومحاطة بالثكنات العسكرية.
ولمن لديهم مشاكل في ذاكرتهم, هذا تذكير مختصر بالجريمة: ليلة الأثنين 22 أيلول (سبتمبر) إلى الثلاثاء 23 منه, هجم مسلحون مجهولون قارب ععدهم مئتين على “حي الجيلالي” على قرية بن طلحة قرب براقي, فقتلوا ما أستطاعوا من النساء والأطفال والشيوخ والرجال مستعملين الفؤوس والسيوف والخناجر والرصاص.
ثم أحرقوا ونهبوا ما شاؤوا من البيوت والممتلكات وسبّوا ما استطاعوا إليه سبيلاً من النساء (30), ثم أنصرفوا في هدوء.
دامت المذبحة 6ساعات تكفي لوصول قوافل الإنقاذ من قارة أخرى, لكن أين كانت الدولة؟ أين كان الجيش؟ أين كانت المليشيات الحكومية؟ أين “الوطنيون”؟ أين الحرس البلدي؟ أين القوانين التي تنص على أن من حق المواطنين على الدولة أن توفر لهم الحماية؟
لم يظهر أثر أحد إلا في اليوم الموالي. وعندما جاء وزير الصحة يحي قيدوم وقف أمام جثث مشوّهة وبقايا جثث مخاطباً الناجين فقال: لقد ساعدتم الإرهابين, طيب, أدفعوا الثمن!
نصر الله يوس ليس كاتباً أو صحافياً. القدرهو الذي جعله شاهداً على تلك الليلة المشؤومة.
حظه جعله “أفضل” الخاسرين لأنه خرج من “يوم القيامة” بكسر في الرجل ورضوض, لكن أيضاً بصدمة نفسية لن يعالجها أطباء الدنيا.
نصر الله, المدعو “نصرو” واحد من سكان الحي المنكوب. هو موظف متواضع في قطاع البناء مثله مثل ملايين الجزائريين الذين يصارعون الحياة لدى عامة الناس. ورغم أنه مصنّف من “الواصلين” الجدد إلى القرية, تأقلم بسرعة مع المجتمع الصغير الذي يرفض “الأجانب” وعايش أيام السكان البسطاء بحلوها ومرّها إلى أن وقعت الكارثة التي قلبت حياة المجتمع.
عاش الكاتب تفاصيل تلك الليلة من لحظات وصول المجرمين إلى حين انصرافهم. وهذا ما يعطي لشهادته قيمة استثنائية تفوق كل ما قيل عن مذبحة بن طلحة إلى غاية اليوم. اضافة إلى كونها أول شهادة تصدر عن شاهد عيان رصدت عيناه وأذناه كثيراً من التفاصيل.
في رده على الأسئلة المطروحة أعلاه (وقد طرحها العالم بإسره غداة الجريمة عندما صدمه حجمها وبشاعتها), يحمّل المؤلف الجيش مسؤولية كبرى في الجريمة التي بقيت بدون عقاب.
ويحدد مسؤولية الجيش في مستويين:
المستوى الأول, وفيه افتراض أن مجموعات اسلامية هي التي ارتكبت المذبحة. ومسؤولية الجيش والقوى الأمنية الأخرى المنضوية تحت مسؤوليته هنا أنه لم يتدخل لتقديم المساعدة لأناس في حال الخطر. وتمتزج المسؤولية هنا بين الإهمال والتباطؤ والتقصير واحتقار المدنيين وتعنيفهم وسوء معاملتهم.
أما المستوى الثاني, وفيه أن فرقاً أو فصائل من قيادة الجيش الحكومي أو فئات منها هي التي دبّرت وارتكبت المذبحة. ويورد الكاتب عدة وقائع وقرائن تلقي ظلالاً من الشك في أن المجرمين من الجماعات الإسلامية.
في شهادته, يقدم المؤلف سرد للأحداث يشبه قصة خيالية, لكنه يحرص على عدم الجزم بهوية مرتكبي المذبحة. غير أن ثمة نتيجة تفرض نفسها طوال السرد: مسؤولية الجيش الجزائري كبرى في المذبحة. وقيادته مطالبة, مثل الحكومة, بالرد على كثير من الأسئلة الواضحة والمشروعة.
يورد الكاتب مجموعة من المعطيات أحاطت بالمذبحة يقول أنها جعلته وجعلت السكان يستسيغون بصعوبة أن القتلة من الأسلاميين, ويوجهون أصابع الإتهام نحو الجيش أو مجموعات بداخلة. هذه بعض المعطيات وليس كلها:
قبل المذبحة
ـ منذ بداية الحرب الأهلية “سلمت” السلطات العسكرية سكان بن طلحة لمصيرهم أمام مجموعات إجرامية تعيث في الأرض فساداً, وفرق عسكرية تصب فيهم غضبها وحقدها على المجتمع. وتعمدت السلطات ان تترك القرية تتحول إلى غيتو حقيقي بلا اضاءة ليلية وبلا تليفون وبلا نقل وبلا حد ادنى مما يحفظ كرامة الناس وبلا أمل في العيش في قرية هي في الحقيقة سجن مفتوح.
ـ منذ منتصف الصيف, نظمت ورارة الدفاع انزالاً لحوالي 4000 عسكري وزعتهم في المنطقة, نسبة معتبرة منهم انزلت ب”حوش قايد قاسم” الذي يبعد عن موقع المذبحة بأقل من كيلومتر واحد.
ـ في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) بدأت فرق من القوات الخاصة تجوب المنطقة وطلبت من السكان الكف عن تنظيم الحراسة الليلية. وكان السكان اتفقوا على حد أدنى من الحراسة عقب مذبحتي الرايس في 28 آب (أغسطس) وبني مسوس في 6 أيلول (سبتمبر).
ـ تماطل الجيش عدة أسابيع في منح سكان “حي الجيلالي” اسلحة للدفاع عن أنفسهم على ضوء تهديدات واشتباه في وجود خطر محدق. وكان المؤلف مشرفاً على تنظيم عملية التسليح وعلى تسيير العلاقة بين السكان والقيادة المحلية للجيش.
يقول الكاتب في هذا السياق: “قبل أيام من المذبحة ذهبتُ برفقة جارين للقاء مسؤول المخابرات بثكنة براقي بخصوص هذه الأسلحة, فطردنا شرّ طردة قائلاً: “هياّ أغربوا عن وجهي الآن! لا أريد أنم أراكم مرة أخرى”.
ويوم 23 من الشهر, اليوم الموالي للمذبحة, صدر القرار بمنح الناجين أسلحة فردية. من المسؤول عن هذا التأخير وقد كان يقيناً أن قطعة سلاح واحدة كفيلة بانقاذ حياة بضعة ضحايا بتسهيل وتغطية هروبهم؟
ـ إعطاء الجيش أوامر للبلدية بالشروع في حفر قبور كثيرة بمقبرة سيدي رزين الكائنة بالمدخل الشرقي لمدينة براقي قدوماً من العاصمة. وصباح المذبحة شيّع عشرات الضحايا في تلك القبور بطريقة افتقرت إلى الكثير من الإنسانية.
ويذكر الكاتب أن حارس المقبرة ابلغه بعد المذبحة أن الجيش أمر بحفر تلك القبور قبل وقوع الواقعة. منذ متى كان للجيش اهتمام بالمقابر؟.
ـ بروز حركة مكثفة لأشخاص ودوريات غربية عن قرية بن طلحة, أتضح أنها دوريات استقصاء الأرضية وجس النبض كأنها تحضر لأمر ما.
ـ حرص هؤلاء الغرباء وفيهم عسكريون على الإبقاء على الغموض حول هويتهم وأهدافهم, هم أحياناً عسكريون في أزياء وسيارات مدنية, يتصرفون تصرفات رعناء مثل الصعاليك, وتارة”إسلاميون” في أزياء عسكرية يتصرفون مثل الفرق العسكرية النظامية. وعلى السكان أن يجتهدوا!.
ـ إصدار الفريق محمد العماري, قائد أركان الجيش أمراً مكتوباً لكل الوحدات القتالية بعدم التحرك والخروج ليلاً من الثكنات مهما كانت الأسباب. متى ستكذب قيادة الجيش وجود هذا الأمر المكتوب؟.
وقت المذبحة
يورد المؤلف عدة معطيات احاطت بليلة المذبحة تعمق من الشكوك في أن منفذي الجريمة ليسوا من الإسلاميين.
هذه بعض المعطيات وليس كلها:
ـ غياب “الوطنيون” عن القرية, وهم الذين يتقاضون راتباً شهرياً للدفاع عنها. والغياب سببه أن القائد العسكري المحلي المدعو مريزق دعاهم الى ليلة “استرخاء” بمدينة برج الكيفان, وهي مدينة ساحلية قريبة من العاصمة فيها الكثير من أماكن اللهو والسمر. من “نصح” مريزق بتنظيم السهرة في تلك الليلة؟
ـ وجود دورية عسكرية من حوالي 40 جندياً جابت القرية سيراً على الأقدام قبل ساعتين من بدء المذبحة ينبعث من نظرات أفرادها حقد على السكان وكراهية لهم, وعندما اقتربت من الكاتب وبعض جيرانه وهم منهمكون في لعبة الدومينو, قال أحد أفراد الدورية (عن السكان) “إنهم يلعبون… الكلاب”, وسمع أحد السكان عسكرياً آخر يُعقب:”… انهم يجهلون ماذا ينتظرهم”. ماذا يعني هذا الهمس الجارح؟.
ـ وجود مروحية عسكرية ظلت تحلّق فوق مسرح الجريمة طيلة مراحل تنفيذها. قال الكاتب أنه شاهد هذه الطائرة وسمع دوي محركاتها أكثر من مرة وأن جيرانه شاهدوها أيضاً. وقال كذلك أن مسؤوليين بالثكنة العسكرية ببراقي أكدوا له في الغد أن المروحية تابعة حقاً للجيش الحكومي. ماسر هذه المروحية؟.
ـ حضور عدة عربات عسكرية من نوع “بي.تي.آر” بالشارع الرئيسي للقرية عند مدخل الحي المنكوب وبقائها متوقفة هناك إلى غاية انتهاء المذبحة رغم أصوات الرصاص والقنابل وصرخات الضحايا التي خرقت السماوات.
ـ توقف سيارات إسعاف عند مدخل بن طلحة قبيل بدء المذبحة استعداداً لما بعدها. من في الأرض يستطيع إقناع الناس بأن المذبحة عفوية وغير مبرجة, علماً أن وصول سيارات الإسعاف في الظروف العادية يتأخر بساعات طويلة ومريرة؟.
ـ منع الجيش سكان مدنيين جاءوا من قرى مجاورة لإغاثة سكان “حي الجيلالي”, من الاقتراب نحو المساكن المنكوبة. ومنع الجيش بعض رجال الشرطة الذين حاولوا التدخل ـ هنا يقول الكابت أن شرطياً أغتيل ـ “ربما” ـ على خلفية اصراره على التدخل لانقاذ الضحايا. ويتسائل المؤلف أن اغتياله أصحاب الـ”بي.تي.آر” الذين توقفوا بالشارع الرئيسي لمنع تدخله.
ـ ادعاء قادة الجيش, ومعهم الصحف الجزائرية والفرنسية, أن القتلة زرعوا الطرق المؤدية إلى مسرح الجريمة ألغاماً لمنع تقدم وحدات لإنقاذ الضحايا. بينما اتضح في الصباح أن تلك أكذوبة مفضوحة, لأن فرق الإغاثة والسكان المجاورين دخلوا الحي المنكوب بعد انتهاء المذبحة دون عناء ودون أن يصادفهم لغم أرضي واحد. ماذا يختفي وراء هذا التغليط؟
ـ توقف شاحنات من نوع”ماجيروس” وهي نوعية تتوفر لدى الجيش الحكومي, قرب حقول البرتقال وراء الحي المنكوب أثناء وقوع الجريمة, وهي الجهة التي جاء, وأنصرف نحوها المجرمون بعد انتهاء المذبحة. ثم سماع السكان الناجين دوي محركات الشاحنات لدى مغادرتها بعد انتهاء المذبحة. ما تفسير ذلك؟
ـ امتناع السلطات عن إجراء أي تحقيق أمني أو قضائي, داخلي أو خارجي جاد حول ملابسات الجريمة. واكتفائها بالترويج عبر الصحف الحكومية والخاصة, انها من فعل “الأرهابيين الإسلاميين”. لماذا تخاف السلطات الجزائرية مجرد الحديث عن تحقيق جاد.
ـ تنفيذ القتلة لجرائمهم بانضباط كبير واحترافية عسكرية وهدوء وثقة مطلقة في المحيط وفي أن الجيش لن يتدخل. كأن لديهم ضمانات من “جهة ما” بأن لا أحد يزعجهم. وفعلاً, لم يزعجهم أحد. من أين استمد الذبّاحون كل هذه الثقة؟.
ـ اختيار المجرمين ضحاياهم من خلال قوائم اسمية محضرة مسبقاً. ويشدد الكاتب على أن العدد الأكبر من الضحايا (أحصى السكان 416 وقالت الحكومة98) هم الذين وصلوا إلى القرية حديثاً هاربين من مذابح مشابهة نجوا منها, أو كانوا شهوداً عليها بمناطق المدية وتابلاط (جنوب العاصمة). سؤال الكاتب: هل أراد منفذو مذبحة بن طلحة التخلص من شهود مزعجين؟
يبقى السؤال الأكبر والأخطر. لماذا”تتورط” قيادة الجيش أو مجموعات وفئات منها ـ بشكل أو بآخر ـ في مذبحة كهذه؟ لا يقدم الكاتب جواباً أو شرحاً واضحاً. يكتفي فقط, كما ذكر أعلاه, بالوقائع والأسئلة.
هي نفس الألغاز العالقة من حول الحكم الجزائري منذ نشأته في 1962. وهو نفس الغموض الذي فرضته السلطة الجزائرية من حولها وينبع من طبيعة تركيبتها وطرق عملها, خاصة عندما يتعلق الأمر بالتصفيات الجسدية, فكم من عملية اغتيال سياسي بقيت غامضة منذ 1992: بوضياف, مرباح, بن حمودة, حشاني, اليابس, معطوب وغيرهم. وكم من مذبحة جماعية بحق المدنيين تظل غامضة وبدون عقاب: حد الشقالة, الرايس, بني مسوس, سيدي حمّاد, سيدي كبير, الشفة وغيرها.
إن من حق الناجين وأقارب الضحايا وكل الشرفاء, بل من واجبهم العمل باستمرار على اظهار الحقيقة في هذه المذبحة الشنيعة, لتقتص العدالة, عاجلاً أم آجلاً, من مدبرها ومكنفذها مهما كانت صفتهم وعلت مراتبهم.

عنـــ القدس العربي                  




التحميل

No comments:

Post a Comment