يبدو أن التحالف الذي تقوده المملكة السعودية يتجه نحو تأزيم "الوضع العربي- العربي" وإيقاظ الفتنة بين السنة والشيعة وإحياء الأحقاد الدفينة بين العرب والفرس، فمن يطفئ نار الحرب في اليمن ويوقف زحف الحرب الأهلية؟
خيارات الحرب وقرارات السلم
يخطئ من يعتقد أن قرار الحرب على اليمن قد اتخذته السعودية بالتشاور مع الأقطار العربية،ويخطئ من يظن أن أمريكا التي منحت السعودية تأشيرة التدخل في اليمن قد توقف هذهالحرب أو تتحرك باتجاه إنقاذ الشعب اليمني من طائرات "التحالف السعودي"، لأن من تواطأمع الحوثيين هو جمال بن عمر ممثل الأمم المتحدة في الحوار اليمني- اليمني، ومن أعطىشرعية للحوثيين لقيادة البلاد نحو الحرب الأهلية هم قيادة الأحزاب اليمنية والرئيس المخلوععلي عبد الله صالح، ومن اعتدوا على نسمات الربيع العربي باسم العسكر و"المليشياتالإسلاموية المسلحة"، لكن هذا لا يشفع للقيادة السعودية "تدخلها" في اليمن خلال ثورتهوبعد الهيمنة الحوثية.
قرار الحرب الجوية على اليمن أدى بالأقطار العربية إلى الانقسام ما بين مؤيد للحربومتحمس لها، ومؤيد لها لكنه رافضٌ للمشاركة فيها بسبب عدم وجود إمكانات أو طيرانوطيّارين قادرين على تنفيذ العمليات، وما بين معارض لهذه الحرب وملتزم بالصمت خشيةالصدام مع السعودية أو رافض للمشاركة خوفا من الانفجار الداخلي أو احتراما للدستور الذييمنع الجيش من التدخل خارج البلاد.
والحق يقال إن الأنظمة الملكية التي تشارك في هذا التحالف مثل المغرب والأردن يعود إلى أندول الخليج تفضل "عمالتها" على عمالة الدول العربية الأخرى، وبالرغم من أن السعوديةودول الخليج دعمت الانقلاب في مصر، فإن "النخبة المصرية" لا تزال تنظر إلى دول"البترول" بنوع من "الاستخفاف"، انطلاقا من مقولة نابليون بونابرت "مصر أمّ الدنيا".
ومن يتابع القنوات المصرية يشعر وكأن ما يهمّ النظام المصري هو الاستفادة "المادية" منالخليج وليس الاقتناع بأنه أصبح نموذجا للدولة القادرة على تسيير نفسها بنفسها وأنهاصاحبة "مشروع تكنولوجي وثقافي" ستكون له مردودية في السنوات القادمة.
بعض دول الخليج تسير بخطوات ثابتة نحو التغيير دون ضجيج إعلامي والبعض الآخر لايزال غارقا في البداوة والانبهار بأمريكا، لكن بإمكان الخليج أن يتجاوز أوروبا إذا ما وحّدعملته واتجه نحو النظام الملكي الدستوري، وفتح المجال للرأي الآخر، أما مصر التي قادتالعرب أكثر من نصف قرن، فقد بدأت مسارا جديدا يصعب على المصريين تقبّله، وهو الإساءةإلى "جزء مهمّ من الشعب الذي أسقط نظام حسني مبارك" وقاوم التطبيع مع إسرائيل منذ"كامب ديفيد" إلى غاية اليوم.
قصة الرحلة 5600 لـ"إيرباص" 330 A
إذا كانت الجزائر تعتبر السعودية في عهد الرئيس بوتفليقة سندا لقراراتها في الوطن العربي،وتقف إلى جانبها في المحافل الدولية، فإن الإعلام الجزائري المكتوب بالفرنسية لم يغيّر رأيهفيها، ويكاد يطابق رأيه مع نظرة الغرب إليها بالرغم من أن "الصحافة الرسمية" في عهدالحزب الواحد باللغتين كانت لا تنظر إلى السعودية بـ"عين الرضا" وتتحفظ في نشرالتحقيقات والروبورتاجات والمقابلات التي يكون محورها السعودية، بسبب "العداءالبومديني" للنظام الملكي أو لإيديولوجية بومدين الاشتراكية، لكن أمنية كل مواطن جزائريزيارة مكة المكرمة سواء معتمرا أم حاجا. وهنا يكمن مصدر قوة السعودية في القرارالجزائري. ولكن ما حدث للطائرة الجزائرية "إيرباص 330 A في رحلتها 5600 جعلأغلبية الجزائريين يتألمون في صمت بعد أن "طُعنوا" من الخلف، فقد تلقت الجزائر موافقةالسعودية بإجلاء رعاياها من اليمن وتحصلت الخطوط الجوية الجزائرية على تصريح يومالخميس 2 / 4 / 2015 بالسماح لها بالعبور في الأجواء السعودية، لكن قبل دخولها الأجواءبخمس دقائق، فوجئ قبطانُها بأمر من قيادة التحالف يمنعه من الدخول، مما جعل الطائرةتقضي ساعة في التحليق حتى سمحت لها مصر بالنزول في مطارها.
ومن الطبيعي أن تشكّل "خلية أزمة" في المرادية وتاقارة لإعادة الاتصال بالسعودية، إلاّ أنهلم يتمّ الرد على هذه الاتصالات ليلا، ليجيء الرد في صبيحة يوم الجمعة بأن "الجهة المعنيةبالأمر في عطلة" ما أدى بالسلطات الجزائرية- حسب ما نُشر في الصحف العربية- واستناداإلى المقرّبين من وزارة الخارجية، إلى الاتصال بمصر باعتبارها رئيسة القمة العربية الحاليةلطلب التدخل، إلا أن الصمت كان يخيم على "التحالف" ما جعل الجزائر تتجه نحو صاحبةقرار الحرب على اليمن وهي أمريكا، وعليه اتخذت الجزائر قرارا مشرّفا وهو إعطاء الأوامرللطائرة الجزائرية بالذهاب إلى اليمن واعتبار أي اعتراض على طائرتها "عدوانا عسكريامباشرا". وقالت وسائل إعلام عربية إن سلاح الجو الجزائري وضع نفسه في حالة استنفارقصوى، وتم إجلاء رعاياها بعد أن تلقت تصريحا سعوديا ثانيا.
لأول مرة يتجرّأ قائد طائرة جزائرية على الإدلاء بحوار حول القضية، ما يعني أن هناك توترافي العلاقات بين البلدين، وحسب بعض المسافرين الذين كان عددهم 160 مواطن ما بينجزائري وعربي، فإن الاعتزاز بالموقف الجزائري ازداد لدى اليمنيين.
صحيح أن المتحدث الرسمي بوزارة الخارجية قال: "إن العلاقات بين البلدين متينة ومتجذرةومتميزة وهي في تطور مستمر" لكن ليس صحيحا أن "يبتلع" الجزائريون هذه الإهانةالسعودية- المصرية، فأي مستقبل لهذه العلاقات ما دامت الحرب هي العنوان الذي يجمعهاويفرقها؟
الحقيقة التي يتجاهلها الكثير هي أن الجزائر لم تعترف بوجود دولتين في اليمن حين كانسفراء هذه الدول في الدولتين، وأصرت على وجود سفير واحد يمثل الجزائر في دولة اليمنالذي لم يكن يوما سعيدا في حياته.
لــ عبد العالي رزاقي
لــ عبد العالي رزاقي
No comments:
Post a Comment