جهل الناس بعلمائهم ومفكريهم هم نحن الجزائريين، وقد يُلام من يهتم بهم، فقد علق أحدهم، رمز إلى اسمه بـ "الحائر"، على مقال لي لامني على اهتمامي بعلماء الجزائري، ولو كان على شيء لما رضي لنفسه أن يكون "حائرا"!
أنا أحمد اللّه- عز وجل- وأشكره أن جعلني من المهتمين بعلماء الجزائر، فبفضلهم- بعد فضلالله- بقي الإسلام واللغة العربية في الجزائر، وأنا أؤمن أن العلماء هم أوتاد الشعوب كما أنالجبال أوتاد الأرض، أولئك يثبتونها أن تحيد، وهذه تمسكها أن تميد.
وأذكر اليوم بعالم من علمائنا، سيمرّ في شهر سبتمبر القادم قرن على انتقاله من الفانية إلىالباقية، داعيا أن تنظم هيئة من الهيآت ملتقى وطنيا للتعريف به وبأفكاره، حتى لا تكونحاله كحال الشيخين عبد القادر المجاوي وامحمد ابن يوسف طفيش اللذين توفاهما الذييتوفى الأنفس في العام 1914، ولكن ذكرى وفاتهما المئوية مرت دون أن يهتم بهما أحد،إلا جامعة غرداية التي عقدت ملتقى عن الإمام اطفيش لم يُغطّ التغطية اللازمة.
لم يقدر الله- عزو وجل- للشيخ محمد ابن الخوجة عمرا طويلا، فقد ولد في العام 1864والتحقت ورقاؤه في 9 / 9 / 1915، (ذكر الشيخ عبد الرحمان الجيلالي أن الشيخ توفاهالله في 18 / 8 / 1915، وهو خطأ)، فقد عاش واحدا وخمسين عاما.
ترك الشيخ محمّد ابن الخوجة أفكارا طيبة، وآراء قيمة، بثها في الناس عبر خطبه في جامعسفير بمدينة الجزائر، وعبر كتبه التي منها ما كان فيه من السابقين ككتابه المسمى"الاكتراث لحقوق الإناث" (1895)، وكتابه "إقامة البراهين العظام على نفي التعصبالديني في الإسلام" (1902).
وكتابه "تنوير الأذهاب في الحث على التحرز وحفظ الأبدان"، (1902).
إن أجل عمل أنجزه الشيخ محمد ابن الخوجة هو إشرافه على تحقيق ونشر تفسير الإمامعبد الرحمن الثعالبي المسمى "الجواهر الحسان في تفسير القرآن"، وقد حققه- في أربعةأجزاء- بمقابلته على سبع نسخة، وملحق لغوي، وذكر الشيخ نفسه أنه ترك بعضالمخطوطات، نرجو أن يعثر عليها، وأن تخرج إلى الناس.
يعتبر الشيخ ابن الخوجة ونظراؤه مثل المجاوي، وابن سماية، واطفيش، وعمر ابن قدور،وابن شنب حلقة وسطى بين الجيل الذي قبله وشاهد الاحتلال الفرنسي الصليبي البغيض،وتدميره البنية الحضارية للجزائر؛ وبين الجيل الذي بعده الذي قاد الحركة الإصلاحيةالمنظمة، ممثلة في جمعية العلماء.
إن هذا الجيل الوسطي، وإن عمل بعضه تحت السلطة الفرنسية إلا أنها لم تستحوذ عليه حتىيقول كما قال غيرهم ممن آثروا العاجلة وذروا الآجلة، وكان شعارهم "أمّنا باري (باريس)احفظها يا باري)".
لقد كان الشيخ ابن الخوجة أحد أعضاء الحركة الإصلاحية المتأثرة بأفكار الإمامين جمالالدين ومحمد عبده، وقد كان ابن الخوجة "من أخص العلماء الذين لازموا الشيخ (محمدعبده) طوال إقامته بالعاصمة (1903) لا يفارقه ليل نهار"، ٠الجيلالي، تاريخ الجزائر... 5/ 320).
لقد تخطى فكر الشيخ ابن الخوجة حدود الجزائر، وممن أعجبوا به باي تونس الذي منحهوساما، تقديرا له، وإشادة به، وقد تلقى الشيخ عدة تهان منها تهنئج الدكتور محمد ابنشنب، التي صاغها في قصيدة، ونشكر أسرة الشيخ ابن الخوجة التي أهدتنا نسخة من هذهالقصيدة بخط الدكتور ابن شنب، والقصيدة مؤرخة بقسنطينة في 4 ذي القعدة سنة 1317هـ وقد افتتح تلك القصيدة البالغة أبياتها 30 بيتا بقوله:
لاح برق من يسار زاد قلبي في استعار
أودع القلب شرارا ما وراه زند واري
ذهبت روحي شعاعا عند اجتلاء الخمار
ثم يقول:
ما بقصدي حبّ بدر لا غزال وجواري
إنما قصدي وسؤلي مصطفى من خير دار
بحر علم حبر عصر فاق أدهى ذي الديار
له نثر وقصيد كل يوم في اشتهار
وسجايا قد تجلّت خلتها شمس النهار
ذو أياد قد أعدّت للغواني والضواري
مكرمات تتباهى بكمال في اعتذار
هبة الله في أرض زانها فخر الفخار
كم تعالى بسداد عن جميع العار عاري
فتجلّى الصدر منه بنياشين افتخار
واشكر الله تعالى أبدا، فالسعد ساري
لقد قال الشيخ محمد الخضر حسين الجزائري- الذي صار شيخا للأزهر- عن ابن الخوجة: "واجتمعنا بالعالم البارع الشيخ محمد بن مصطفى بن خوجة، فمدّ علينا من الملاطفة رواقا،وفتح علينا رياض أنس كانت مغلقة أبوابها إغلاقا، فنظم في سلك المسامرة فرائد، وأنشدنامن بنات أفكاره قلائد".. (مجلة السعادة العظمى ع 19 - 20 في 16 شوال 1322. ص301).
رحم الله الشيخ محمد ابن الخوجة، وجميع علماءنا الذين نصحوا لله ولكتابه ولرسولهولجميع المسلمين، وجعل آثارهم صدقة جارية إلى يوم البعث.
لــ الهادي الحسني
لــ الهادي الحسني
No comments:
Post a Comment