هل سأل أحدٌ من حكّامنا العرب والأفارقة: "لماذا يهاجر العباد نحو الغرب باختيار الموت في البحر على البقاء في البلاد؟"، وهل سأل أحدٌ من حكّام الغرب نفسَه: "لماذا يفضل المواطنون المسلمون الالتحاق بالمليشيات الجهادية على البقاء تحت راية بلدانهم؟"، ربما يقول البعض: إنها "المغامرة" واكتشاف المجهول، فالعرب والأفارقة يريدون تحقيق ذواتهم، ولو كعمال نظافة في بلاد الغرب، بينما مواطنو الغرب هم الآخرون يريدون تحقيق ذواتهم من أجل"الاستشهاد"؟.
فضلت تكميلية (تسالة المرجة) بولاية العاصمة تكريم العديد من الكتاب والأساتذة الجامعيينبمناسبة يوم العلم، كما أطلقت اسم العقيد لطفي عليها لأنه من بين العقداء العشرة الذينتركوا بصماتهم في تاريخ الجزائر، فالشهيد بن علي بودغن الذي أطلق على نفسه اسملطفي تيمّنا بالكاتب العربي لطفي المنفلوطي الذي أدرك معنى الكتابة وهو تلميذٌ في الثانوية.
أثارت انتباهي -وأنا أجلس في الصف الأمامي- عبارة كُتبت على الجدار: "الناس معادنتصدأ بالملل وتتمدد بالأمل وتنكمش بالألم"، وتذكرت ساعتها تمثال عبد الحميد بن باديسالذي استوردته قسنطينة من الخارج في احتفالها بـ"عاصمة الثقافة العربية" كما استحضرتمفهوم "الدولة الفاشلة" الذي تطلقه أمريكا على الدول المارقة، وتساءلت: هل وصل حالالثقافة والفنون في الجزائر أن صرنا نعجز عن نحت تماثيل علمائنا فنستوردها من الخارج؟
تذكّرت لحظتها رسالة بخط يد العقيد لطفي كلف بومدين بنقلها إلى علي كافي قبل 13 يومامن استشهاده، يقول فيها ما يلي:
"إلى أخي العزيز علي كافي:
أخي أردت أن أغتنم وجود الأخ السيد بومدين في الناحية الغربية لأبعث إليك رسالتي هذهوأتمنى أنها ستبلغك قريبا، أردت أن أغتنم هذه الفرصة وأنا راغب في أن أجدد لك وداعيالثوري والأخوي، وأجدد لك كل عواطفي وصداقتي الخالصة الوفية وأنا على وشك الذهابإلى أرضنا العزيزة المطهرة، تأدية لواجبي المقدس وطاعة للمبادئ، وأعرف أنك في نفسالحالة التي أنا فيها فيما يخص ثورتنا العظيمة، هذا ما كان سببا كبيرا في تقربنا، ووصيتيفي هذا اليوم هي أنك ملزم باجتهاد عظيم لاكتشاف إطارات يكونون في المستقبل أهلاللمسؤولية الكبيرة وذلك لئلا يكون للجزائر "أبناك (كراسي) عوض مسؤولين" متمنيا منالله أن يسمح لنا بملاقاتنا في الداخل، أودّعك الوداع الأخير.. أخوك وصديقك لطفي".
المعروف عن العقيد بن علي بودغن (1934- 1960) أنه وفيّ لأصدقائه وهو الوفاءنفسه الذي كان يتمتع به عقداء الثورة، لكن السؤال المطروح: لماذا لم تُطبَّق وصيته فيعهد رفاقه في الجهاد الذين تولوا مناصب مهمة في الدولة الجزائرية؟
إذا كانت الأنظمة العربية والإفريقية في معظمها تمثل اليأس وتدفع بالشباب إلى الهجرة إلىالغرب، فهل تمثل الأنظمة الديمقراطية الملل لدى شبابها؟ عندما ظهر تنظيم "القاعدة"احتضنه الشباب في أفغانستان ولكنه عاد إلى وطنه ليتمرد على النظام السياسي، فكانتالنتيجة ظهور المجموعات المسلحة. وباغتيال أسامة بن لادن فقدت "القاعدة" تأثيرها علىالشباب العربي فقام أحد ضباط المخابرات بتحويل "بقايا القاعدة" إلى تنظيم "داعش"،وحسب الصحافي الألماني كريستوف رويتر صاحب كتاب "القوة السوداء" الصادر هذاالأسبوع، فإن هذا الضابط هو سمير عبد محمد الخليفاوي، وهو عقيد في سلاح الجوالعراقي، وكان معروفا في سوريا باسم "حاجي بكر" ويسمى في الكواليس بـ"سيد الظلال"وقد قتل العام الماضي.
يظهر أن اختيار البغدادي خليفة للتنظيم يراد منه استفزاز الغرب واستدراجه للتدخل فيسوريا والعراق، لأن الجرائم التي ارتكبت في حق الأقليات قد تمهّد له، لكن من أقنع شبابالغرب بالالتحاق بهذا التنظيم؟ وهل هو بهدف "الاستشهاد" أم "المغامرة"؟
لـــ عبد العالي رزاقي
لـــ عبد العالي رزاقي
No comments:
Post a Comment