مع كل ما واكب حملة "عاصفة الحزم"، من قتل ودمار منكَر، في بلد عربي مسلم منكوب أصلا منذ نشأته الحديثة، فإنه قد كشف للعرب أن دولهم هي كياناتٌ بلا وزن في المعادلات الدولية، لا يلتفت إليها لا الشقيق ولا الحليف من أبناء الملة.. وقد أنتجت حتى الآن فرزا هو أخطر من الفتنة المذهبية التي كنا نخشاها على المنطقة، لكنها عرّت عورات الموقف العربي الرسمي، وفضحت قلة حيلة دول الخليج في تحشيد الحلفاء من الغرب والشرق على السواء.
الحالة ليست جديدة، وإن كانت "عاصفة الحزم" قد عرّتها بالكامل؛ فعلى خلاف ما كانتتصدره الطواحن الإعلامية من جعجعة حول وقوف الدول والشعوب الإسلامية مع قضاياأشقائهم من المسلمين العرب، فإن العرب خاضوا معظم حروبهم ومعاركهم ونضالاتهم فيالتاريخ الحديث بلا نصير من الفضاء الإسلامي.
فلم يكن لثورة التحرير في الجزائر نصيرٌ يذكر في العالم الإسلامي، وقد اقتصر علىإسهامات بعض دول وشعوب الجوار. وخاض العرب معاركهم ضد مسار زرع الكيانالصهيوني بمفردهم، وخذلهم إخوتهم في الملة في حرب 48 كما في المواجهات التي تبعتها،ولم يحتضن العالم الإسلامي قضية الشعب الفلسطيني حتى بعد سقوط القدس الشريف بيدالكيان. ووقف العالم الإسلامي موقف المتفرج من مأساة الاحتلال الأمريكي للعراق، فيماتداعى بعضُهم إلى نصرة أمريكا في حربي الخليج الأولى والثانية.
مع هذا المشهد الموثق في صفحات تاريخ المنطقة الحديث، كيف أمكن لدول الخليج المراهنةعلى دعم إسلامي لعاصفة الحزم، من دول إسلامية لم تحرك ساكنا لنصرة العرب فيمواجهة الكيان الصهيوني المدعوم بحلف صليبي بيّن، المغتصب لأرض إسلامية وقفية،المحتل لأولى القبلتين وثالث الحرمين، فيما لم يتخلف العرب عن نصرة أشقائهم المسلمينفي أفغانستان، والشيشان، والبوسنة، ولم يصمد بلد إسلامي كبير مثل باكستان أمام جارتهالهند إلا بفضل دعم أشقائه من عرب الخليج وتمويلهم السخي لبناء سلاحه النووي؟
في بحر أسبوع، صُدم ملوك وأمراء الخليج بتصويت من البرلمان الباكستاني أجبر الحكومةعلى النأي بالنفس، فيما هرول أردوغان إلى طهران ليعلن تطابق الموقف مع إيران، فأراحاملالي طهران من احتمال انخراطهما في المواجهة المحتملة بين إيران ودول الخليج، فيماسكتت بقية الدول الإسلامية، ولم تحرّك ساكنا ولو في اتجاه تشكيل حراك سياسيودبلوماسي يطوّق الأزمة اليمنية، ويضغط على أطراف النزاع، منعاً لتوسع النزاع إلى نزاعإقليمي مرشح للانزلاق نحو الفتنة المذهبية.
بيد العرب أن يعرّوا زيف هذه المواقف الإسلامية أكثر، ويفضحوا نفاق حلفائهم الغربيينبإعادة توجيه البوصلة، والعودة بقوة إلى احتضان قضيتهم الأولى فلسطين، وانتشالها منسوق النخاسة والمزايدة، والتحلل من عرضهم السخي بالسلام الذي أرضوا به حليفهمالمخادع أمريكا، لأن عدوّهم الأول والآخير، قبل إيران، وحتى الكيان الصهيوني هو أمريكاوالغرب، لأن الكيان الصهيوني كان وسيظل يشكل الثغر الصليبي المتقدم في جسم العالمالعربي، يواصل منه حرباً غربية لم تتوقف منذ حملة البابا أوربان الثاني وملوك أوروبا على"الشرقيين".
لــ حبيب راشدين
لــ حبيب راشدين
No comments:
Post a Comment