من يقرأ سيرة "الحسن بن الصباح" في القرن العاشر الميلادي ويتأمل قيادات "القاعدة" و"داعش" يجد نفسه أمام عملة ذات وجهين، فالحسن بن الصباح أنشأ "جنة في الأرض" فيها ما في الجنة التي تعدنا بها الأديان السماوية، وأسس جيشا من "الفدائيين" لا يختلف عن جهاديي "القاعدة" أو "داعش" فسمى الغرب أنصاره بـ"القتلة" و"الحشاشين" بالرغم من أنه أطلق عليهم اسم "الفدائيين".
كتبٌ كثيرة تعرّضت لمسيرته وأكبر الأعمال الروائية حوله كتبها أحد الروائيين الأتراك عام1938 باسم "آلموت"، إنه مؤسس مدينة "قم" الإيرانية وأحد رموز المذهب الشيعي، فهليريد عبد المالك الحوثي الاقتداء به، وهو حسب بعض الدراسات حميري؟
الخميني قاد أول "ثورة" إسلامية، فهل يضيعها الحوثيون؟
إذا كان أئمة أهل السنة يستمدون سلطتهم من النظام القائم أو المؤسسات الدينية التابعةللهيئة التنفيذية، فإن رجال الدين لدى الشيعة يستمدون سلطتهم من المراجع الدينية، وهوما يفسر نجاح الثورة الخمينية، وفشل الكثير من ثورات الربيع العربي التي جرت في الأقطارالسُّنية.
منذ أكثر من عشر سنوات، قرأت ما يُسمى "مصحف فاطمة" وفكرت في الكتابة عنه،ولكنني تجنبت ذلك حتى لا أشعل نار الفتنة بين السنة والشيعة، لأن ما يجمع بين المذهبينأكثر مما يفرق بينهما، فما الذي يجعلني اليوم أتعرض إلى الصراع السني الشيعي في وطنناالعربي؟
إن المشكل الذي تعانيه الأقطار العربية ليس في المذاهب الدينية، وإنما في تسييسها، فباسمالأقلية السنية حكم صدام حسين العراق واضطهد الشيعة، وباسم الأغلبية الشيعية حكم نوريالمالكي العراق أيضا واضطهد السنة، فما الفرق بين ديكتاتورية عهد صدام وديمقراطية عهدالمالكي؟ إنهما وجهان لعملة واحدة هي الاستبداد، فالأغلبية أو الأقلية في نظام الحكم العربيمعرضة لاضطهاد الحاكم مهما كانت طائفته، وتقاسم السلطة بين الطوائف الدينية في لبنانجنب البلاد الحروب بين الأقلية والأغلبية، لكن صعوبة الاتفاق على خليفة الرئيس السابقيعود إلى التدخل الخارجي في الشأن الداخلي وتداعيات ما يجري في دول الجوار، فلولاالتدخل الإيراني والسعودي في الشأن اللبناني والسوري، لكانت لبنان في مقدّمة الدولالديمقراطية العربية المؤسسة على التوافق الطائفي، فهل العرب والمسلمون في حاجة إلى"ديمقراطية طائفية"؟ وهل يمكن الفصل بين الدين والسياسة في مجتمعات الولاء فيهاللقبيلة أو المرشد أو المفتي أو المرجع الديني؟
أهلا بـ"القوى الإقليمية" في الوطن العربي
تراهن مصر والسعودية على القمة العربية المقرر انعقادها الأسبوع القادم في شرم الشيخلترميم البيت العربي، لأن ما يحدث في اليمن قد يجر المنطقة العربية إلى حروب أهلية،فالخلافات العربية - العربية قد تطوى لصالح القوى الإقليمية، فمحور إيران (العراق -سوريا - اليمن) أصبح في مواجهة محور تركيا (السعودية - قطر)، وبعض الأقطار العربيةبدأت تلتحق بهذه القوى الإقليمية؛ فالأردن رمى بنفسه في حضن إيران، لأنه اعتقد أنها"بوّابة" العراق، ولا يستبعد المراقبون التحاق دول الخليج بمحور تركيا، لكن السؤال هلستقبل أمريكا بإيران قوة إقليمية تعويضا عن تركيا التي تربطها علاقة قديمة بإسرائيل؟ وهلستتخلى إيران عن وصفها لأمريكا بالشيطان الأكبر؟ وهل تستطيع إيران أن تواجه المشاريعالأمريكية والغربية إذا ما تخلت عن سوريا وحزب الله والحوثيين؟
إن الهروب نحو سياسة المحاور تعبيرٌ عن غياب الدولة العربية القادرة على جمع بقيةالأقطار العربية، فمصر التي كانت في عهد عبد الناصر تقود إلى جانب الجزائر والسعوديةوسوريا بقية الأقطار العربية صارت اليوم تعيش "وضعا قلقا" شبيها بالوضع الذي عاشتهالجزائر ما بين 1992 - 1999.
إن قوة إيران تكمن في نظامها السياسي الذي شجع أمريكا على احتلال العراق وإسقاط نظامالطالبان في أفغانستان، فأمريكا عندما فكرت في الدخول إلى العراق، لجـأت إلى المرجعالديني الأكبر وهو السيستاني ظنا منها أن فكرة الفداء هي عملية شيعية بحتة، وحينتوسعت الانفجارات والمقاومة، لجأت إلى دراسة فيلم "ثورة الجزائر" لفهم حرب الشوارع،وتبين فيما بعد أن "الانتحار" ليس من إنتاج "الحسن بن الصباح" فهو تراث "ديني"إنساني، فالانتحار بمفهوم الاستشهاد يحظى بدعم رجال الديانات السماوية، ومن يعتقد غيرذلك فهو يجانب الصواب، فالعمليات الاستشهادية للمقاومة في فلسطين والعراق كشفت أنهاليست مختصرة على طائفية دينية دون أخرى، وها هم كبار الكتاب في العالم ينبهون أمريكاإلى الأخطاء التي ارتكبتها في حق السنة بدعمها الشيعة، فطوماس فريدمان كتب في جريدة"نيويورك تايمز" قائلا: إن أمريكا قدمت خدمات جليلة لإيران بالقضاء على حكومة الطالبانالسنية عام 2002، وبإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وها هي اليوم تحارب"داعش" وتسمح بإشراك إيران في ذلك، وهي تعرف أنها حربٌ ضد السنة.
يبدو أن الحزبين الأمريكيين (الجمهوري والديمقراطي) متفقان على إثارة الفتنة الشيعيةوالسنية حتى يتمكنا من إعادة تقسيم الوطن العربي في صيغة جديدة مكملة لخطة "سايسبيكو" لتخرج منها رابحة.
لــ عبد العالي رزاقي
لــ عبد العالي رزاقي
No comments:
Post a Comment