لم ألتفت إلى المقال السابق للسيد نور الدين بوكروح حول الدعوة إلى إعادة جمع المصحف الشريف وفق ترتيب نزول الآيات، حتى اطلعت على المقال الثاني له، وقد كشف فيه "تلميذ" بن نبي عن البعد السادس في أطروحة يدعو فيها إلى أمرين خطيرين:
الأول: دعوة المسلمين إلى مراجعة تصوّرهم لله (هكذا) وللكون، ولأسباب الخلق، وعلاقاتهممع الشعوب "حتى يمكن للإسلام أن يُري العالَمَ وجها مختلفا، ونوايا جديدة تتماشى معمسيرة التاريخ".
الثاني: أنه اقترح على المسلم الأخذ بمصادر غير ما في الثقلين: فأفتى لهم بنبوة سقراط،فيثاغوريس، وكونفوشيوس، يفترض بعد الإيمان بهم كأنبياء أن ينهل المسلم من علمهم،وحكمتهم، ونواميسهم الأخلاقية، بل هم في "مستدرك" بوكروح أفضل من إبراهيم عليهالسلام، ومن جاء بعده من الأنبياء والرسل وإليكم نصه:
"منذ إبراهيم الخليل عليه السلام، تتمثل الحجة عند الرسل في الرسالة الربانية التييحملونها، أما عند الأنبياء والحكماء، وكل من لم يحمل كتابا سماويا، فإن الرسالة توجد فيالعلم الخارق السبَّاق لعصره، لحامله المُختار، وفي الحكمة أو العلم اللذين يُمَيّزانه".
ما صدمني ليس هذه الترّهات الفكرية، المركّبة بقدر واضح من السذاجة والسطحية، بلفاجأتني ردود القراء التي رأت في دعوات بوكروح "محض هذيان، وخروجا عن العرفطلبا للشهرة". والأمر ليس كذلك، لأن مثل هذه الدعوات لم تصدر عنه وحده، بل هي جزءٌمن برنامج عالمي منهجي، قد قسّمت فيه الأدوار بين مثقفين عرب ومسلمين وغربيين،يشتغل على زرع البذور الفكرية التي تحضّر المسلمين لـتقبل "فاتكان اثنين" يجهز علىالإسلام، كما أجهز الأول على المسيحية.
ولك أن تلاحظ كيف أن الدعوة لم تُوجّه إلى الفقهاء والعلماء بل خاطبت "أصحاب القرار"من رجالات الدولة، فحثتهم على التكفل بمهمة "مراجعة وإصلاح الدين الإسلامي" الذيوصفه عزمي بشارة بـ"دين البداوة" لأن مشكلة الجهة التي تدير الحملة عن بُعد هي أنالمسلم "عبدٌ لله حرّ مخيّر" قد ألزمه الله بطاعة أولياء أمره ما أطاعوا الله فيه، وليسللمسلم كنيسة مستبدّة، محتكرة للنص المقدس: قراءة، وتفسيرا، وتأويلا، وتعدّله متىاقتضت الحاجة.
بقي أن يطلب من السيد بوكروح وممن يشتغل مثله على نسف الإسلام من الداخل، كيفيكون موقفه وموقف من يؤيده في دعوى "إعادة جمع القرآن" من ثلاث آيات محكماتحسمت الجدل منذ البداية، فأثبتت أن جمع القرآن توقيفيٌ بنص الآيتين من 16 و17 منالقيامة: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ".. "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ".. وأنه ذكرٌ محفوظ إلىيوم القيامة، بنص الآية 9 من الحجرات: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".
والحال ليس للسيد بوكروح وأمثاله من خيار سوى الجرأة جهارا على "تكذيب" اللهورسوله، أو اتهام الصحابة بالتزوير والتدليس، وما سوى ذلك محض سفسطة وشغبفكري، يريد فتنة المسلمين في دينهم بدعاوى ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب.
لــ حبيب راشدين
لــ حبيب راشدين
No comments:
Post a Comment