في شهر أفريل من سنة 1992 التحقت بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين الذي كان يديره الأخ الدكتور عبد الرزاڤ ڤسوم، الذي رأى أنه لابد أن تكون للمعهد مجلة للدراسات الإسلامية، فأنشئت مجلة "الموافقات"، التي أوقفت بعدما استقال الدكتور ڤسوم، وخلفتها مجلة "الصراط"، وقد عهد إليّ الدكتور ڤسوم برئاسة تحريرها.
كان مما اتفقنا عليه أن يضم كل عدد ملفا خاصا عن علم من أعلام الجزائر لتعريف طلاّبنابعلمائهم، فأصدرنا ملفات عن مالك ابن نبي، وعن الإبراهيمي، وعن أبي اليقظان، وعن ابنباديس.
استكتبت أستاذي أبي القاسم سعد الله - رحمه الله - الذي كان متعاقدا مع جامعة آل البيت فيالأردن ليشارك بالكتابة عن الإمام ابن باديس، فكتب إليّ رسالة - ليست كواحدة منالرسالات- اعتذر فيها عن الكتابة، وبرر ذلك بما سيقرأه القارئ بعد هذه المقدمة، وهي منأجمل ما عبّر عن فكر الإمام ابن باديس ومشروعه، وقد احتفظت بالرسالة ضمن رسائلأخرى، ثم استأذنت بعد أمّة الدكتور في نشرها، وأعلمته بالعنوان الذي اقترحته لها، وهو"المشروع المعلق"، فأذن لي على أن أمده بنسخة منها وقد فعلت.
كان النشر في مجلة محدودة، فوددت بعد الضجة التي سببها ذلك "التماثل الميت" - كماأشار به، ووافق عليه- أن يطلع عليها أكبر عدد من الناس بعد عشرين سنة من كتابتها. قالالدكتور سعد الله:
"إن إصدار عدد عن ابن باديس في هذه الظروف قد لا يليق بمقامه العظيم، فالباحث مهماكان شجاعا في الرأي لا يستطيع أن يكتب عن ابن باديس دون أن يجامل أو يداور أو يدخلالسجن.
فأنت (الخطاب للحسني) تعرف أن أفكار ابن باديس وسيرته لا تقدم صورة إنسان عادي بلصورة رجل له مشروع حضاري، وضع أسسه وبدأ في تنفيذه، ولكن المنية اخترمته، فبقيالمشروع معلقا كالجسر الذي صممه المهندس، وبنى جزءا كبيرا منه، ولكنه لم يكمل ربطهبالضفة الأخرى، ولكن الضفة واضحة، والتصميم موجود، والبناء الرابط يمكن مده بسهولة.
والسؤال المحيّر: من المسئول عن وقف عملية البناء؟ ومن الذي يفترض فيه إنجازالمشروع على الطريقة الباديسية؟
أرجوك أن تترك الرجل وشأنه الآن، فلم يحن بعد زمن الكتابة عن ابن باديس حقيقة.
إن الأمة التي تأكل أبناءها غير جديرة بأن تكتب عن ابن باديس حتى تتوب توبة نصوحا.وسيأتي اليوم الذي يخرج فيه ابن باديس من القبر كالمهدي المنتظر ليقول كلمته فيالانحراف الذي تعرفه الأمة، وقد يرفع فأسه ويهوي به على الجذوع النخرة، التي سوّستوما ساست، وتحللت وما حامت عن الحمى".
جامعة آل البيت - الأردن 19 / 12 / 1996
ذكر المستشرق الفرنسي لويس غاردي في كتابه الذي ألفه بالاشتراك مع أركون أنالمسيحية تتمحور حول شخص، وأن الإسلام يتمحور حول "كتاب"، وقد علمنا رسول الله -عليه الصلا والسلام- أن لا نغلو فيه، وأن لا نطريه كما أطرت النصارى عيسى بن مريم،ولكن مسلمي هذا الزمان الذين ليس لأكثرهم من الإسلام إلا الاسم والرسم نبذوا الأفكار،و"عبدوا" الأصنام البشرية، وهم "يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، فلما جاءهم ما حذروامنه وما نهوا عنه، قالوا مخادعين لله - عز وجل- وهو خادعهم، وصالحي المؤمنين: "إنأردنا إلا إحسانا وتوفيقا"، و"الله يعلم إنهم لكاذبون".
لــ الهادي الحسني
لــ الهادي الحسني
No comments:
Post a Comment