كان يوم الجمعة (22 جمادى الثانية 1436 هـ / 17 أفريل 2015م) من أسعد الأيام في حياتي التي مرّت، لا لمغنم تحصّلت عليه، ولا لمغرم تخلصت منه؛ ولكن لما قدّر الله- العزيز القدير- لي فيه من حضور افتتاح مسجد الإمام عبد الحميد بن باديس في مدينة وهران، التي تخيّلت أنها ترحب بنا كما قالت الشاعرة الجزائرية زبيدة بشير، المولودة بتونس في 1938، والمتوفاة فيها سنة 2011:
فتحت وهران أحضان الوفا حين زرناها، وقالت: مرحبا لقد تجولت في رحاب المسجد،مسبّحا، محوقلا، ذاكرا، شاكرا لله، سائلا المزيد من أماكن الخير، داعيا إياه أن يهديالضالين من جنود إبليس الذين يريدون أن تشيع الفواحش في الذين آمنوا، وأن يفسدالجزائريون، كما فسدوا هم، فإن علم الله أنه ختم على قلوبهم فيلأخذهم أخذ عزيز مقتدر،وليطهر الجزائر المجاهدة من رجسهم، فما هم بمعجزيه.
لم أنشغل بالجانب المادي من المبنى، الذي جمع بين الجلال والجمال، ولا أعني بالجمال كثرةالزخارف والألوان التي تلهي عن أهم ما في الصلاة وهو الخشوع، فهو عبارة عن كتلةضخمة من اللون الناصع البياض.. ولم يعجبني ذلك اللون الذهبي الذي طليت به بعضالأجزاء، التي لو كان لونها أخضر لكانت في رأيي أبهر وأسحر، وسحر الألوان للعين كسحرالكلمات في العقول أو أشد.
لقد أطلقت العنان لعقلي فطوى القرون راجعا إلى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، إذجاءتنا الجيوش الصليبية الإسبانية من فوقنا، عندما كنا نخوض ونلعب، فهدمت المساجد،وأعلت الكنائس، وحاولت محو الإيمان والتوحيد ونشر الشرك والتثليث.. وخاض أجدادناملحمة مجيدة من الجهاد دامت ثلاثة قرون، حتى جاء نصر الله والفتح، وفرح المؤمنونبذلك في عام 1792، وشكروا الله بإقامة مسجدين هما مسجد الباشا بوهران ومسجدكتشاوة بمدينة الجزائر.
ولم يطل الأمر حتى جاءنا "جراد" أخطر، ممثلا في أولئك الفرنسيين الصليبيين، الذين ماجاءوا إلا- كما قال لافيجري- "لنخلص هذا الشعب ونحرره من قرآنه.. فإن واجب فرنسا هوتعليمهم الإنجيل، أو طردهم إلى أقاصي الصحراء"، فكانت كارثتهم أعظم، فنشروا الجهل،وعطلوا العقل، فكانوا سببا فيما سماه أحد الكتاب "الاحتباس الحضاري".
وابتدأت ملحمة جهاد أخرى، وكان جهاد هذه المرة أوسع وأشمل، فهو جهاد العلم والتربيةإضافة إلى جهاد السيف والبندية، وكان رمز ذلك الجهاد في الأولين عبد القادر الأميرالمجاهد، وكان رمزه في الآخرين عبد الحميد، العالم المجاهد، فرحمة الله عليهما وعلى مناتبعهما ولم يكن من الخائنين، الذين قد يعجبنا قولهم في الحياة الدنيا، فنظن أنهم منالصادقين.
يا إخوتي الأحرار في الدين والوطن، من وهران إلى الذرعان، ومن غرداية إلى مّا غوراية،ومن جنات إلى رأس جنات، ومن خنشلة إلى ورڤلة.. إن العدوّ هو هو، لم يتغيّر لونه، ولاطعمه، ولا ريحه، ولا شكله، ولا لسانه، وقد حييت أطماعه ولا تبدلت طباعه، وهو يتربصبنا، ويكيد لنا، وبأبناء جلدتنا، ولا منجاة لنا منه، ولا وسيلة لنا لدحره وإفساد خططه إلا ماوصّانا به الذي ارتضيناه إمامنا في الصف، الإمام عبد الحميد بن باديس في قوله:
"تعلموا، تحابّوا، تسامحوا".
لم يعكر صفوي ولم يكدر فرحي في وهران إلا رؤيتي أشغال الترميم جارية فيما يسمى"سانتا كروز"، وهي كنيسة مشرفة على وهران من جبل المرجاجو... وإن كان من فوقها"المولى عبد القادر مول المايدة".
لــ الهادي الحسني
لــ الهادي الحسني
No comments:
Post a Comment