فما يحيط بالجزائر، من مناورات ومؤامرات،
وما يقض مضاجع أهلها، من قعقعة السلاح المحظور، وقرع طبول الحرب، شرقا
وغربا، وعلى حدود كل المرابض والثغور، لمما يزيد من بوادر القلق، ويبعث على
الحيرة والأرق.
من يترجم لنا، بصدق، كل هذه السلبيات التي
تحيط بجزائرنا الحبيبة؟ ومن المسؤول عن كل طريدة، وغريبة، فيما يلف بلادنا
من هذه الأزمات الخطيرة والمريبة؟
نريد فقيها في السياسية، ضليعا في
الكياسة، مختصا في أمور الشعب والرئاسة، كي يفسر لنا بعض ما يحدث، من ركود
وسكون، ويشرح لنا –نحن الغلابة- ما يراد لنا، وبنا، من تقلبات الأمور من
حولنا، وما يطبع، ذلك كله، من تشرذم وجنون.
استبدت بنا الحيرة –والله- بسبب ما صاحب
تعديل الدستور، وكيفية ترجمته في الميدان، إثر المصادقة عليه، بعد "اللُّتى
والّتي"، والتلاسن، والتنابز بين زعماء الأحزاب، ومن يعتبرون في العلية.
من يفسر الدستور لمن؟ ومن يستخلص من بنوده
وأحكامه، ما يتضمنه من قوانين وسنن؟ أين فقهاء القوانين والدساتير؟ وأين
زعماء الأحزاب وقادة الجماهير؟
هل يفضي تمرير الدستور، تعديلا في
التركيبة الحكومية؟ وهل يتم ذلك وفق التركيبة الانتخابية، وطبقا للأغلبية؟
أم هل إن الجزائر استثناء في كل شيء، في تركيبة حكمها، وإدارة ثورتها،
وتسيير قاعدتها وقمتها؟
أم هل ينطبق على دستورها، ما انطبق على
دستور اليمن، حسب وصف إمامنا الإبراهيمي طيب الله ثراه حين قال: "دستورها
لا تقرأن لا تفهمن لا تسألن" سل سيفها بيد من؟ سل حكمها أنت لمن؟".
في ظل هذه الضبابية المحيّرة، تزداد
علامات الاستفهام والتعجب، للجماهير وحتى للطبقة المسيّرة. ولا ندري
–والله- لمصلحة من كل هذا الصمت المقصود؟ ومن المستفيد من البلبلة، والصيد
في الماء العكر، الذي يمارسه البعض، خلف الأسوار، وخارج الحدود؟
لقد كان الأولى والأجدر بالقائمين على
الشأن العام، في جزائرنا الحبيبة، أن يشعلوا المصباح بدل لعن الظلام، وأن
يسلكوا سياسة البيان، والتبيّن، ونزع الألغام. وإنه ليؤلمنا والله، أن
ينعكس كل هذا الغموض في دواليب الحكم والسياسة، على شاكلة عنف لفظي ومادي،
لدى فئات المجتمع، بدءا بالحقل الفلاحي وانتهاء بأقسام الدراسة.
فما سمعنا في الملة الآخرة، بالابن الذي
يقتل أباه، ولا بالتلميذ الذي يطعن أخاه، وما عشنا طيلة عمرنا، الطويل،
تجربة الزوج الذي يذبح زوجته من الوريد للوريد، والمواطن الذي يغتال
مواطنه، من أجل خبزة أو ثريد.
رحماك اللهم، بجزائرنا الحبيبة، التي بلغ فيها السيل الزُّبى، وعم الويل السهول والربى.
كل هذا وجيوش التدخل الأجنبي تشحذ أسلحتها
الفتاكة على حدودنا، تهديدا لنا من خلال حدودنا، وما ذلك، إلا لأن جيراننا
وبني إخواننا، وسلالة جدودنا، يتقاتلون من دون سبب، ويسيئون من خلال
تقاتلهم إلى أمة الإسلام، وجنس العرب.
نعتقد أن الحكمة والتعقل يجب أن يسودا في
الجزائر، لإثبات العكس مما يحدث في تخومنا، فنبين للعالم، أننا –في
الجزائر- قادرون على ضرب أروع الأمثال في التصدي، كما ضربنا ذلك، في ثورة
التحدي.
وكنا نظن –وبعض الظن ليس بإثم- أن طينة
الجزائري، طينة خاصة في السلم وفي الحرب، وكما، أفشلنا، أسطورة الربيع
العربي الموؤودة قادرون على انتصار للآراء الشعبية الحرة المنشودة،
والموعودة.
فهل يكتب الله، للجزائر، بعد أن تجاوزت
عبر تاريخها الطويل، كل الحواجز والعقبات أن تكتب في تاريخ ثورتها
وتنميتها، وبحروف من ذهب، الدستور العملي، في تلاحم القمة والقاعدة، وفي
انسجام السياسة، والثقافة، عبر الأحزاب، والعلماء، والطلاب، لتقديم أروع
الأمثلة، للأقارب والأغراب.
نريد –والله- لجزائرنا الحبيبة، أن تزيل
من قلوب أبنائها المخلصين، كل حيرة وطيرة، وأن تقدم لهم –والفرصة سانحة-
نموذج الحكم الرشيد، الذي يتداول فيه الجميع السلطة، على أساس، الكفاءة،
والرأي السديد.
إن الجزائر غنية بالوطنيين المخلصين، وثرية بالعاملين المنتجين، ومحمية بكنوز الأرض، وحيتان البحر، ونجوم السماء المضيئين.
إننا منا الصالحون، وفينا العلماء،
والشهداء والمجاهدون، والمصلحون. ولئن كنا لا نؤمن بعصر المعجزات، في
زماننا، فإننا نؤمن، بأن اتخاذ الأسباب، وتحدي الصعاب، وتعلق الهمم بالثريا
والسحاب، كفيل، كل ذلك، بتحقيق أعلى المطالب والألقاب.
No comments:
Post a Comment