لا
توجد كلمة متداولة في الأشهر الأخيرة، على نطاق واسع، في قمة وقاعدة
المجتمع، مثل كلمة تقشف، فقد تسرّبت في الاجتماعات الوزارية وفي المدارس
والملاعب والمزارع، وفي الشارع، وبين أفراد الأسرة الواحدة، في أفراح
الجزائريين وأحزانهم، ولكن الواضح هو عدم فهم هاته الكلمة، بمعناها اللغوي،
والاقتصادي، ولا نقول تطبيقها.
السيد العربي ولد خليفة، رئيس المجلس الشعبي الوطني، قال بأن مشروعا
لرفع أجور النواب "المرتفعة أصلا" هو حاليا قيد "الطبخ"، وسيادته ونواب
المجلس، أدرى الناس، بأن المواطن الذي يفطر بقطعة خبز يوميا، عليه أن يفكر
في أن يُقسمها على أبنائه أو يستغني عنها نهائيا، والسيد عبد المالك سلال
وعد بأن لا تذهب الدولة للاستدانة في الأشهر القليلة القادمة، حتى لا تقع
البلاد فريسة لصندوق النقد الدولي، كما حدث قبيل أحداث أكتوبر 1988، وأكبر
مؤسستين في دولته، "سونلغاز" و"سوناطراك"، قرّرتا الاستدانة من الخارج،
والمواطن نفسه حطم في الشهر الماضي أرقاما جديدة في رمي الخبز في المزابل،
وفي استهلاك الوقود ضمن معادلة مقلوبة، وهي "إذا غلا الشيء ازدادت لهفتي
عليه".
النظام حاول في كل خرجاته العلنية والسرية، أن يُفهمنا بأن لجوءه إلى
التقشف هو خيار لا مفر منه، والشعب حاول أن يقنع نفسه بقبول هذا الخيار،
وهو حل يعترف الجميع بأنه الوحيد، بل إن أطرافا في الخارج صارت ترى بأنه لن
يكون مجديا، بعد أن ضاع الوقت في التفكير وربما في التيهان، ومع ذلك لم
تباشر الدولة ولا الشعب تطبيقه إلى حد الآن، ولا يظهر وجود نية لأجل
تطبيقه، ما يعني أن الأموال المتبقية من العملة الصعبة سيكون مصيرها
الجفاف، قبل أن تجف قطرات زخات المطر الذي غسل حارات العاصمة، وروى مزارع
الجزائر العميقة في الساعات القليلة الماضية.
هناك اقتصاديون غربيون يقولون بأن تسيير البلاد اقتصاديا وصرف المال
العام يمكن قبول فوضويته لعدة سنوات، لكن في التقشف يجب أن تسير الأمور ضمن
برامج لا يسنّها سوى الخبراء، لأن الذي ضيّع عمره في الحانات مثلا، يشرب
إلى ما بعد الثمالة، لا يمكنه في حالة التقشف سوى أن يتوقف عن الشرب، بنية
وتطبيق سريع، أما أن تعجز الدولة في صرف المال بعقلانية على مدار عقود، وقد
وجدنا لها بعض الأعذار من سوء التسيير ونقص الخبرة ومحاولة ربح السلم
الاجتماعي والضغوط الخارجية، ثم تعجز عن توقيف نزيف الإسراف، والحفاظ ولو
لبعض الوقت على ما تبقى لها من مال، فذاك يعني أن حالنا سيكون شبيها بالشيخ
المدمن، الذي لن تقبله أي حانة بعد أن تمزقت جيوبه.
من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، كلمة تقشف في اللغة العربية: من
تقشف الرجل، أي قتّر على نفسه، واكتفى بما هو ضروري، وانصرف عن الملذات
والتنعم، وتقشف القوم، أي ساءت أحوالهم وضاق عيشهم؟
No comments:
Post a Comment