في آخر ظهور اعلامي له بعد تصنيف دول الخليج لحزب الله بـ"المنظمة
الإرهابية" فاجأ السيد حسن نصر الله الجمهور العربي بتوصيف الحروب التي
خاضها أو سيخوضها مع الكيان الصهيوني بـ"حروب الدفاع عن النفس"، وهي كذلك،
ثم وصف مشاركته المباشرة في الحرب الأهلية السورية على أنها كانت "حرب
استباقية" ضد "داعش" و"النصرة" ومن وصفهم بـ"التكفيريين"
التوصيف بلا شك دقيق، لكنه يلزم السيد نصر الله تبعات كثيرة غير محسوبة،
لا أدري هل خطرت بباله وهو يجازف بهذا التوصيف لأول مرة في حوار تلفزيوني
مباشر أمس الأول؟
بقدر ما يعني توصيف الحرب مع الكيان الصهيوني بـ"الحرب الدفاعية"
من طمأنة واضحة للكيان ما لم يجازف بالعدوان على لبنان، فإن توصيف مشاركة
حزب الله في حرب أهلية بدولة جارة، على أنها "حرب استباقية" ضد الجماعات
التكفيرية فيه إعلانٌ صريح لحربٍ مفتوحة شاملة، يتوعّد بها حزب الله جميع
الجماعات المنتسبة أو القريبة من تنظيم الدولة والنصرة، وقبل هذا زعم أن كل
من حمل السلاح ضد الدولة السورية منذ البداية كان من ذات العائلة الفكرية
التكفيرية، وأن حزب الله كان عليه أن يدخل في "حرب استباقية" معها ولا
ينتظر حتى يضطرّ لقتالها على جرود عرسال اللبنانية.
بهذا المنطق الذي يبرر للجميع شن الحروب الاستباقية، فإن الغزو
الأمريكي لأفغانستان والعراق كان له ما يبرره، كما هي مبررة حرب النيتو على
ليبيا، والتدخل الروسي والإيراني في سورية، وسيبرر استمرار حرب الحلف
الجديد الذي بدأ يتشكل بين أمريكا وروسيا لقتال تنظيم "الدولة"، وفوق ذلك
سيسمح بتبرير جميع "الحروب الإستباقية" للكيان الصهيوني على جيران فلسطين
"المحتلة من العرب"، وعلى فصائل المقاومة ومنها حزب الله، وفيه التماس عذر
ضمني للتدخل السعودي في اليمن، ويفترض أن يبرر غدا لبلجيكا، التي تعرضت أمس
لعدوان من "داعش" تنفيذ حرب استباقية ضد التنظيم حيثما وُجد، وضد الجاليات
المسلمة المتّهمة زورا بالتعاطف وتوفير البيئة الحاضنة له.
قبل فترة، صرح رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين
نتنياهو: "أنّه لولا السيادة الإسرائيلية على القدس لاقتحم تنظيم الدولة
الأماكن المقدسة وأحرقها"، كما زعم حزب الله حماية العتبات الشيعية المقدسة
من "داعش". وقال الصهيوني في تصريح آخر: "إننا
نشهد للأسف انهيار دول في أرجاء الشرق الأوسط، وصعود داعش.. لكن نواجه
أيضاً فرصاً عملاقة تتمثل في تعميق العلاقات بين إسرائيل والدول العربية
المعتدِلة"، وربما أسرّ في نفسه ورود فرص مماثلة مع قوى الممانعة
والمقاومة.
في مكانٍ ما، يكون السيد حسن نصر الله قد خرج عن العقلانية التي
كانت توصف بها خطبُه في السابق، وإلا ما كان انزلق إلى هذا التوصيف الذي
نتحمّله كرها من الغزاة والمستكبرين في الأرض، لكن يصعب تقبّله من حزب رفع
راية المقاومة تحديدا ضد منطق "الحروب الاستباقية" التي كان يشنها الكيان
الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني أو ضد جيران فلسطين المحتلة، أو تتذرع بمنطقها
قوى الاستكبار للعدوان على الدول والشعوب المستضعفة.
No comments:
Post a Comment