لعلّي لن أجانب الصواب إذا ما قلت إن ما أصبح يحكم مواقفنا في المدة
الأخيرة تجاه مستجدّات الأحداث والتطورات إنْ في الداخل أو الخارج هو مبدأ
التحفظ. الموقف المميّز لتصرفاتنا اليوم ليس الانسياق خلف ما تبثه وسائل
الإعلام خاصة الأجنبية منها من معلومات هو التحفظ أولاً ثمّ انتظار ما
ستكشفه الأيام من حقائق من شأنها ترشيد أحكامنا بطريقةٍ أفضل.
وهذا السلوك يُعدّ في ذاته صمّام أمان، إن لم نقُل حصانة للمجتمع حتى لا
نقع ضحيّة مغالطات بعض وسائل الإعلام فنجد أنفسنا كما حدث للبعض نُخرّب
بيوتنا بأيدينا ونقدّم أنفسنا لقمة سائغة لمن أراد بنا شرا.
لقد بلغ التعقيد في الأحداث والمواقف مستويات عالية إلى درجة أصبح
فيها أكثر الناس إلماما بالأوضاع غير قادر على فكّ شفرتها فما بالك
بالمواطن الذي لا مصدر لديه أكثر من وسائل الإعلام أو شبكات التواصل
الاجتماعي..
حتى الرئيس الأمريكي نفسه، الذي يخدمه أكثر من 17 جهاز استعلام في
جميع الميادين أصبح غير قادر على تفسير تناقضات السياسة الخارجية
الأمريكية في الشرق الأوسط وهل هي مع داعش أو ضدها؟ مع المملكة السعودية أو
ضدها؟ فكيف بنا نحتار من مواقف بعض وسائل الإعلام عندما تصف أشخاصا اليوم
بالفساد أو الإرهاب وغدا بالنزاهة والشهامة والوطنية؟
ما يجري بحق هو تلاعبٌ بالعقول من خلال التلاعب بالمعلومات
والأحداث والصور وكل شيء مما حولنا، وليس هناك من أسلوب للتعامل مع كل هذا
أكثر نجاعة من التحفّظ والتريّث في إصدار الأحكام.
لقد دفعنا الثمن غاليا بالانسياق خلف أشخاص وسياسات بدت لنا لأول
وهلة أنها طريق الخلاص الذي لا شك فيه، فإذا بالأيام تُثبت عكس ذلك تماما،
وينبغي عدم تكرار التجربة والبحث عن مزيد من الضمانات. ولا يوجد أكثر ضمانة
من أن تصبح مواقفُنا وسياساتنا هي نتاج عمل مؤسّسات وهيئات وحصيلة نقاش
عام وصريح، وليست نتاج أفراد أو مجموعات مصالح مهما كانت عبقرية هؤلاء
الأفراد أو نفوذ أصحاب المصالح.
No comments:
Post a Comment