العملية الإرهابية الكبيرة التي تعرّضت لها مدينة بن غردان التونسية أمس
الأول، تبدو في كثير من تفاصيلها أقرب إلى عملية تُنفذ تحت رايةٍ كاذبة
منها إلى عملية ارهابية تحمل بصمات تنظيم "الدولة"، فظهرت أكثر من رواية
اعلامية ورسمية متضاربة، انتقلت في ساعات قليلة من صيغة هجوم لتنظيم وافد
من ليبيا بسيارات دفع رباعي، إلى عملية إرهابية محلية، نفذت انطلاقا من
مسجد بالمدينة على ثكنة عسكرية ومقرّ أمني.
آخر رواية رسمية هي التي نقلها الوزير الأول التونسي صبيحة أمس في ندوة
صحفية تقول: إن أغلب العناصر الإرهابية هم تونسيون من المدينة ومن مدن
تونسية أخرى، تم القضاء على 36 عنصرا منهم واعتقل سبعة آخرين، فيما تمنع
الرقابة على المعلومات ترجيح أيّ من الروايات.
قبل أيام قليلة، نفذ الطيران الأمريكي ضربة جوية على مدينة صبراتة في
غرب ليبيا، قيل إنها استهدفت مجموعة لتنظيم "الدولة"، لا نعلم متى وكيف
تسللت إلى مدينةٍ تقع في قلب المناطق التي تسيطر عليها قوات "فجر ليبيا"
بعيدا عن المعقل الرئيس للتنظيم في منطقة سيرت، وقبلها راجت أخبارٌ عن
تواجد فرق كوموندوس فرنسية وبريطانية في شرق وغرب ليبيا، تعمل على تهيئة
الأرض للعملية العسكرية الغربية القادمة، ومنذ أيام أُعلِنَ عن مناورة
بحيرة واسعة بين فرنسا ومصر، شاركت فيها مجموعة حاملة الطائرات شارل دوغول
العائدة من سواحل سورية.
وفي مكان ما، تأتي عملية بن غردان لتضيف لبنة أخرى إلى السيناريو،
وتُنتج حالة من الخوف والاستنفاد عند دول الجوار: يُراد لها ان تمنع أي
اعتراض أو تشويش على العملية، إذا لم تكن العملية مقدِّمة لخطة (ب) بديلة
تتولى فيها الحكومة التونسية منح الغطاء الشرعي بطلب دعم عسكري غربي يكون
قد امتنع حتى الآن، مع إفشال الفرقاء الليبيين لجهود المبعوث الأممي،
الرامية إلى تشكيل حكومةٍ موحّدة، هي التي كان يُعوّل عليها لطلب التدخل
الأجنبي الغربي.
بهذه الخلفية يمكن فهمُ التضارب في الأنباء حول تنفيذ عملية بن غردان؛
حيث كانت وسائل الإعلام الغربية، الفرنسية منها تحديدا، هي من روّجت في
الساعات الأولى لعملية نُفذت من داخل ليبيا بعربات دفع رباعي، وبنيّة إقامة
"ولاية جديدة" للتنظيم، فيما حرص الوزير الأولى التونسي أمس على إعادة
كتابة السيناريو، وتقديم العملية وكأنها عملية إرهابية نُفذت من الداخل
بمقاتلين تونسيين في الغالب، تكون قد انطلقت من مسجدٍ قرب ثكنة، وحاول
بذكاء تفكيك السيناريو الذي روّج له الإعلامُ الغربي في الساعات الأولى
لعملية يكون قد نفذها تنظيم "داعش" انطلاقا من ليبيا.
وإذا ما صدق هذا التأويل، فإن عملية بن غردان لن تكون الأولى ولا
الأخيرة، وأنها قد تتجدّد في مناطق حدودية أخرى على طول الحدود التونسية
والجزائرية مع ليبية، لأن تنفيذ عدوان غربي جديد على ليبيا لم يعُد مجرّد
تهديد، بل بدأ تنفيذ مراحله الأولى على أكثر من صعيد: سياسي، دبلوماسي،
وعسكري، رغم توافق الليبيين في شرق وغرب ليبيا على معارضة أي تدخل عسكري
غربي يخرب ما بقي من ليبيا ويتخذ منها بؤرة لضرب استقرار بقية دول المغرب
العربي.
No comments:
Post a Comment