لسنا اليوم في مرحلة تصفية حسابات أو تأجيج الصراع بين الأشخاص، أو فتح
مزيدٍ من ملفّات التخوين أو التخويف، لسنا اليوم في مرحلة إظهار البطولات،
أو محاولة الظهور في ثوب الأنقياء الأطهار وغيرنا في ثوب الوسخين الأشرار،
لسنا اليوم في وضعٍ يسمح لنا بفتح ملفات الماضي والحاضر وإسناد أدوار
البطولات لهذا أو ذاك، أو توزيع صفات الخيانة والتقصير على هذا أو ذاك.
الجزائريون جميعا يعرفون بعضهم البعض، من هم الأبطال من النساء والرجال،
ومن هم الزعماء الحقيقيون، ليس هناك ما يُخفى عن أحدٍ في عصر الصوت والصورة
والدليل الملموس، فقط هي الحكمة والمصلحة الوطنية التي تستوجب مثل هكذا
مواقف.. فليكن الجميع عند مستوى هذه الحكمة وعند إدراك مفهوم المصلحة
الوطنية، ولنترُك ما هو ماضٍ أو حاضر غير مُشرِّف لحُكم التاريخ... ولنلتفت
إلى واقعنا اليوم وغدا...
واقعنا اليوم وغدا يقول إن المخاطر تَحُف بِنا مِن كل جانب، ويكاد يبرز
بجلاء أننا أصبحنا مستهدَفين بشكل مباشر في وجودنا وأمننا قبل قُوتِنا
ومعاشنا. وهذا يستلزم بالضرورة وقف كل ما مِن شأنه أن يَدخل في باب
المزايدات بالقول أو بالفعل. نحن في حاجةٍ اليوم إلى إحقاق الحق، إلى رفع
المظالم عن الناس قبل أيّ شيء، من المسجونين بغير وجه حق إلى الذين ظُلموا
في أي مستوى كان، رفع المظالم هو الأساس العميق لمواجهة المخاطر، لا يمكن
لأي مجتمع يسوده الظلم أو القهر أو ينتفي فيه العدل أن يزعم إمكانية وجود
عمق استراتيجي لديه، أو يزعم إمكانية تعبئة قواته، أو يدّعي أنه يستطيع
مواجهة التهديدات المحيطة به، المدخل إلى زعزعة الداخل هو هشاشة هذا الداخل
وليست قوة الخارج.
لا يمكن لأيّ قوة خارجية مهما كانت ضخامتها أن تخترق مجتمعا يسوده
العدل، ويمكن لأيّ قوة معادية مهما كانت بدائيتُها أن تدكّ أسوارنا إذا
كان الظلم سائدا بداخلها، لذا فإنه ليس غريبا أن نقول اليوم إن للعدالة
دورا استراتيجيا في الحفاظ على أمننا الوطني بل هي عمق أمننا الوطني.
بدونها سنكون كمن يفتح الثغرات في جبهته الداخلية ليتسرّب من خلالها
الأعداء... فلنسارع إلى إحقاق الحق، حيثما كان وإلى رفع الغبن عن المظلومين
والقابعين في السجون بغير وجه حق، ولنُعِد الشعور إلى الناس بأن القانون
فوق الجميع من خلال الأفعال لا الأقوال، ولنوقف هذه المزايدات غير المسؤولة
من قبل غير مسؤولين، وسيكون عمقُنا الاستراتجي آمنا بإذن الله.
No comments:
Post a Comment