لا شيء يبعث على الاطمئنان في "الجيل الثاني للإصلاحات" كما سمته وزيرة
التربية نورية بن غبريط؛ فالعملية منذ البداية كان يشوبها غموضٌ وتكتّم
وسرية، وتنبعث منها رائحة الإيديولوجيا والتغريب.
في البداية، استقدمت وزارة
التربية 11 خبيرا تربويا فرنسيا للاستعانة بهم في عملية الإصلاح المنتظر،
وكأن العالم بأسره قد خلا من خبراء التربية إلا فرنسا، وحينما فجّر إطارٌ
سابق بوزارة التربية الفضيحة، ردّت الوزيرة بأنه لا دخل للفرنسيين في عملية
الإصلاح التي ستتولاها لجنة البرامج والمناهج التي تتكوّن من 200 عضو. وهي
للتذكير اللجنة نفسها التي اجتمعت يومين في أواخر جويلية 2015 ولم تجد ما
تقترحه لتطوير التعليم سوى تدريس اللهجات العامّية بدل العربية الفصيحة
"الغريبة" عن التلاميذ!
وما دام الأمر على هذا النحو، هل ننتظر أن يختلف مضمونُ "الجيل
الثاني من الإصلاحات التربوية" ونتائجُها، عن مضمون الجيل الأول الذي وضعته
لجنة بن زاغو، ونتائجِه الكارثية؟
لقد فُرضت "إصلاحات" بن زاغو على الملايين من أطفالنا منذ عام
2003، رغم كل الاعتراضات والتحفظات والانتقادات وحملة الرفض الواسعة
لمضمونها التغريبي، وبعد 13 سنة من تطبيقها القسري، كانت النتيجة "سلخ"
الأجيال، وإفقارها علميا ومعرفيا، رغم تضخيم نتائج البكالوريا كل سنة
للإيحاء بنجاح "إصلاحات" الزيغ، ولعلّ تدني مستويات الأجيال الجديدة من
خرّيجي الجامعات لا يخفى عن أحد.
إن إسناد "الجيل الثاني من الإصلاحات" التربوية إلى الوجوه نفسها
التي عملت في لجنة بن زاغو يعني تشجيع الفشل، ومنح فرصة ثانية للفاشلين، من
دون أيّ اكتراث بالعواقب الوخيمة للعملية على الملايين من أطفالنا الذين
تحوّلوا فعلاً إلى فئران تجارب فاشلة لزمرةٍ تغريبية مُكّنت من التغلغل في
قطاع التعليم وتهميش كل الكفاءات التربوية المرتبطة بجذورها الحضارية
والإلقاء بها خارج أيّ عملية إصلاح حقيقية للتعليم.
لقد فشلت إصلاحات بن زاغو بعد 13 سنة من التطبيق، وكان من المفترض
أن تُسند مهمة "إصلاح الإصلاحات" إلى لجنةٍ أخرى يعاد فيها الاعتبار لخيرة
الإطارات التربوية الجزائرية أمثال زهور ونيسي وعمر صخري وعلي بن محمد
وعبد القادر فضيل وحرّاث والآلاف من المفتشين وإطارات التربية الذين تخرّج
على أيديهم الكثيرُ من الإطارات الجزائرية التي أثبتت كفاءتها في العقود
الماضية، حينما أتيحت لها فرصٌ في الداخل والخارج، ولكن السلطة أبت مرّة
أخرى إلا تهميش هذه الكفاءات، وإسناد "الإصلاح" إلى خبراء فرنسيين،
و"خبراء" جزائريين يرون العربية الفصيحة "لغة غريبة" على التلميذ ويفضلون
العامّية عليها، فماذا ننتظر من "إصلاح" كهذا؟
"الجيل الأول" من "إصلاحات" بن زاغو، سلخ ملايين التلاميذ وجعل
مستويات طلبة السبعينات الحائزين على الأهلية أفضل من مستويات خرّيجي
الجامعات الحاليين، أما "الجيل الثاني" الذي تقوده بن غبريط وبرمضان ومسقم
وليلى معلّم... ويستعينون فيه بخبراء فرنسيين وبـ"خبراء العامّية"، فسنرى
العجب العجاب لدى ضحاياه مستقبلاً، وإن غداً لناظره قريب.
No comments:
Post a Comment