الأمير شكيب أرسلان (1869-1946) من أنبل وأكرم رجالات هذه الأمة العربية،
لم يخلد إلى الراحة، ولم يعش لنفسه، بل عاش لقضايا أمته العادلة، وقضى
سواده وبياضه حتى أتاه اليقين دفاعا عن حقوقها، وبذل في سبيل ذلك كل ما
استطاع من وقت وجاه ومال، لأنه أدرك بثاقب فكره وسديد رأيه أن عزّته من عزة
قومه، وأنهم إن هانوا هان، وإن ذلوا ذلّ، وإن خسروا خسر وما يزال صدى
جريدته بالفرنسية « la nation arabe » يرن في الأذن ومن أهم قضايا أمتنا
الإسلامية في هذا العصر، وفي كل عصر، قضية فلسطين التي ابتليت فيها بالمكر
اليهودي والعتو المسيحي، حيث رأينا "اتفاق الدينين" (الصالب اليهودي،
والمصلوب المسيحي كما زعموا) على الدين القيم، الإسلام، لأنهم رأوا من
أتباعه تفريطا في جنب الله، وإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، فتفرقوا مذاهب
يكفر بعضها بعضا، وسفهوا أنفسهم فبذروا المال في التافهات، و"عادوا"
العلم..واحتقروا العمل، واستمرأوا الكسل، واتخذوا أعداءهم أولياء من دون
الله وصالح المؤمنين..خاصة إذا كانت هذه الولاية من غير إكراه أو اضطرار.
من آخر ما وصى به الأمير شكيب أرسلان قبل
أن يغادر الفانية إلى الباقية قوله "أوصيكم بفلسطين"، وذلك منذ سبعين سنة،
فكانت وصيته مما ينطبق عليه مثلنا الشعبي "وصية الميت على أولاده"، وكان
أكبر المفرطين في هذه الوصية هم أكثر المسئولين العرب والمسلمين، الذين
قالوا – وما يزالون يقولون- في فلسطين بأفواههم ما ليس في قلوبهم.. بل إن
بعضهم أشد عداوة لفلسطين من اليهود الصهاينة الذين اغتصبوها، وأخرجوا أهلها
من ديارهم، وشردوهم في مشارف الأرض ومغاربها، إن آخر صورة تجلت فيها خيانة
المسئولين العرب لفلسطين هي ما تم في "المقهورة" منذ أيام قليلة من إسناد
"الأمانة" العامة لهذه المسماة "الجامعة العربية" لمن لا يؤمن بها... ولأهم
قضية فيها، وهي قضية فلسطين..
كان الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله- إذا
سئل عن "الخليفة" المأمون، صاحب كارثة "خلق القرآن"، إذا سئل عنه قال: "لا
مأمون" ونحن نقول عن هذا "الأمين" إنه "لاأمين"، ولا أستبعد أن تتولى
إسرائيل "دفع مرتبه"، فهو أشد حرصا عليها من اليهود أنفسهم.. وقد أظهر
شواهد الإخلاص لليهود الصهاينة عندما كان وزيرا لخارجية المبارك على
الصهاينة...
إن ما بقي من"عزة" و"كرامة" في هذا الهيكل
المسمى "الجامعة العربية" سيستأصله هذا الموصوف بغير صفته..إذ ليس فيه من
الأمانة إلا الاسم، وسيبوء بإثمه كل من "زكاه" ووافق على تعيينه.
No comments:
Post a Comment