قلتُ لمُحدِّثي: السياسة تحتاج إلى نظيف العقل ونظيف اليد ونظيف الجيب
ونظيف السروال لكي تستقيم. نظيف العقل بمؤهلاته ومنهجه في التفكير
واستيعابه لتحديات العصر وقدرته على تقدير المواقف وعلى استيعاب المعلومات
والاستخدام الفَعَّال للتكنولوجيا، ونظيف اليد بألا يكون قد مارس البطش على
أحد أو ساهم في ظلم أحد أو مارس العنف على أحد فضلا عن أن يكون قد لطخ يده
بدماء الأبرياء، ونظيف الجيب بأن تكون مصادر رزقه حلالاً ولم يقترب قط من
المال الحرام أو ساهم في الفساد راشيا أو مُرتَشيا أو ساعيا بينهما، ونظيف
السروال أن تكون أخلاقه نظيفة بعيدا عن الشُّبهات وفيا لأسرته وأبنائه
عفيفا طاهرا كارها للرذيلة ولسقط المتاع...
إنسان كهذا يُمكن أن يكون قدوة في المجال السياسي، إذا تكلم استمع إليه
الناس، وإذا وعد صدّقوه، وإذا دعا الشباب للالتحاق به اتبعوه، فيتمكَّن من
قيادة الأمة، مع أمثاله، نحو بر الأمان، ولا تستطيع له سبيلا لا القوى
المضادة داخليا أو خارجيا ولا "داعش" ولا أنصارها أو مَن يقفون وراءها...
أجابني محدثي ضاحكا: ألا تَرى أن عكس شروطك هي التي يسعى الكثير
أن تتوفر في السياسي لكي يكون كذلك اليوم؟ ألاَّ يكون نظيف العقل، ولا نظيف
اليد ولا نظيف الجيب ولا نظيف السروال، وفي ذات الوقت يُكثر من الحديث عن
حب الجزائر، وعن الإخلاص للوطن، وعن النزاهة والتضحية والتفاني والأخلاق
والمستقبل فيكره سامعوه كل هذه المعاني ويعزم الشباب منهم خاصة على مغادرة
الوطن.
تَمسَّكْ بشروطك، ولن تجد من بين السياسيين أحدا...
قلت: بلى، بل هناك الملايين منهم في بلادي، ملايين الشباب الذين
مازالت عقولهم وأيديهم وجيوبهم وسراويلهم نظيفة.. لِمَ هم مُبعدون؟
الملايين من النِّساء والرجال الأكفاء الأشراف الأطهار، لِمَ هم مُبعَدون؟
الملايين ممن لم يُصبهم التلوث العقلي والمالي والأخلاقي، هم
بيننا وفي كل مكان... لِمَ تَسْعَى أقلية تمكَّنت من منابر الحديث والقرار
إلى أن تَضعَ مِن نفسها عنوان مرحلة ورمزَ بِلاد؟
أبناء هذا البلد المخلصون مازالوا في كل مكان، مدنيون في أريافهم
وقراهم وحقولهم ومحلاتهم وأسواقهم ومقرّات عملهم يواجهون صعوبات الحياة
بصبر وثبات. وعلى جبهات الدفاع الوطني عسكريون ورجال أمن بالداخل وعلى خطوط
التَّماس مع العدو عيونهم ساهرة على حماية هذا الوطن لا يغمض لها جفن.
ما الذي يجعلنا نرفع الراية البيضاء ونعترف بهزيمة من لا يَمتلكون سوى الوساخة لقتل كل أملٍ مازال حيا فينا؟ علينا ألا نفعل...
No comments:
Post a Comment