سنة كاملة قبل موعد الرئاسيات الأمريكية ليست كافية لتمنع الملاحظين ـ
الخبراء بفن صناعة الملوك في الديمقراطية الأمريكية ـ من إعطاء اسم الرئيس
(ة) القادم المرشح (ة) لخلافة أوباما، مع أن المسار الانتخابي المعقد ما
زال في بدايته، لم يُحسم فيه في الظاهر، من سيدخل من الجمهوريين
والديمقراطيين السباق الرسمي.
ظاهريا، يبدو للعامّة أن أعرق ديمقراطية غربية تقدِّم لنا كل أربع سنوات
نموذجا مثاليا لسباق ديمقراطي تنافسي مفتوح، تعود الكلمة الأخيرة فيه
للناخب، يحسم التنافس فيه داخل الصندوق وليس بأدوات التزوير المعتادة في
الانتخابات المسخة في دول العالم الثالث. غير أن سحر الأسطورة سرعان ما
ينتفخ ويفتضح في اللحظة التي تبدأ عملية تفكيك سيناريو لعبة صناعة الرئيس
من قبيلة "شعب الله المختار".
مبدئيا، وحتى عند العامة من الناخبين الأمريكيين، فإن الرئيس يكون
حتما من إحدى القبيلتين المهيمنتين على الحكم في الولايات المتحدة منذ
أكثر من قرنين: الديمقراطيون والجمهوريون، وهما فخذان من بطن أوحد: قبيلة
الحمير وقبيلة الفيلة، ولا سبيل لتسلل سلالة ثالثة من مشهد سياسي مغلق
ثنائي القطبية منذ ولادة الديمقراطية الأمريكية.
حتى عهدٍ قريب، كان الخزّان الوحيد لاجتباء المرشحين للرئاسة من
القبيلة الأم قبيلة "الوابس": البيض الآريين من أبناء الأسر الإنجيلية
البروتستانتية المؤسسة للولايات المتحدة، مع استثناء كاثوليكي واحد لم
يعمّر طويلا مع آل كينيدي، وطفرة عرقية خارقة حصلت مع نصف الزنجي الوحيد
أوباما، في بلدٍ لم يعد للبيض فيه أغلبية، وقد أقصيت منه المرأة حتى بداية
تصنيع خليتها الجذعية الأولى من ضلع كلينتن.
المسار كما نرى مؤطر محنّط، هو أقرب إلى نظم استقطاب الحاكم في
العصر الإقطاعي منه إلى نظام يدَّعي "حكم الشعب بالشعب" وفي أحسن الأحوال
هو نسخة معدَّلة نحو الأسوأ من النظام الديمقراطي الإغريقي القديم، الذي
يبقى أكثر انفتاحا، وأقلّ إقصاء من الديمقراطية الأمريكية الحديثة.
في مكانٍ ما، في قلب الدولة الأمريكية العميقة، توجد "حاضنة"
لتفريخ المرشحين و"قابلة" لها سلطة وضع العلامة المسجلة على البيضة التي
تتفتَّح على كتكوت رئيس البلد الصالح لزمن ما، المؤهَّل لتلبية حاجيات تم
رصدها لعقود قادمة، فلم يُترك اختيار الرئيس للصدفة، ولا لأهواء الناخبين
من الدهماء.
بهذه الخلفية، ومع إلمامٍ دقيق بالتكنولوجية المطوّرة لصناعة
الرؤساء الأمريكيين، يمكنك بسهولة أن تكتب اسم الرئيس (ة) القادم (ة) حتى
قبل أن تطّلع على نتائج "الثلاثاء العظيمة" التي حسمت أمس اسم المرشحين:
دونالد ترومب عن الجمهوريين، وهيلاري كلينتن عن الديمقراطيين، لأن المسار
منذ البداية أعدّ لترجيح الاسمين، بل ولتعيين الاسم الذي سيعلن بعد أقل من
سنة كرئيس (ة) للولايات المتحدة.
التزوير المنهجي
كما نرى ـ ورأيناه من قبل في تسويق نماذج خارقة مثل رونالد ريغن، وبوش
الابن، وأوباما ـ لن يحصل في الصندوق بعد أقل من سنة، بل نُفذ مسبّقا
بأدوات ناعمة وعلى مراحل بمعالجة عقول الناخبين، وربّما حتى عقول المرشحين
وفرقهم الانتخابية، ليكون الاسم الأوحد الذي سيخرج بـ"رضا" الناخبين من
الصناديق هو الاسم الذي أرادته "القابلة" لمفاجأة الأمريكيين بأوّل رئيسة
شقراء، بعد أن فاجأتهم منذ ثماني سنوات بأول رئيس نصف ملوّن.
No comments:
Post a Comment