قرار دول الخليج بوضع حزب الله اللبناني على قائمة "التنظيمات الإرهابية"
كان متوقعا حتى قبل تفاقم الخلاف بين دول الخليج وإيران، على خلفية الصراع
الدائر بينهما في أكثر من ساحة، وهو أقلّ تأثيرا على مستقبل العلاقات بين
دول وشعوب المنطقة من قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، أو من الحرب
الإعلامية المذهبية التي يؤجّجها الطرفان منذ الغزو الأمريكي للعراق في
مارس 2003.
شيءٌ من الإنصاف قد يسمح بتفهّم قرار دول
الخليج، وتحديدا السعودية التي تحوّلت في لغة الحزب وزعيمه إلى هدف يتصدّر
إطلالاتِه الأسبوعية، وقد منح فيها الأولوية للهجوم على المملكة وبيت آل
سعود على خصوم الحزب التقليديين: سواء الكيان الصهيوني أو الخصوم السياسيين
في الساحة اللبنانية، بلغةٍ شرسة غلب عليها الطابعُ المذهبي في أرذل صوره.
ومع قليلٍ من الحياد، يمكن تصنيفُ
القرار في خانة ردّة الفعل المتشنِّجة التي لا تليق بدولٍ يُفترض أن تحسب
بدقّة تداعيات قراراتها، في منطقةٍ أخطر ما يتهدّدها هو تصعيد الصراع
المذهبي، المؤهّل لتفجير أكثر من حربٍ أهلية مدمرة للمنطقة، وأنه كان بوسع
دول الخليج تطويق ظاهرة تمدّد حزب الله واصطفافه المذهبي، بمعالجة الأسباب
التي حوّلته من حزبٍ مقاوم يحترمه كافة العرب إلى أداةٍ وورقة تلعب بها
إيران في الفضاء العربي.
في مكانٍ ما، يشترك أكثر من طرف
إقليمي ودولي في تصنيع صراعات جانبية داخل جسد العالم العربي المريض، تصرفه
عن الصراع الوجودي الوحيد القادر على إعادة اللحمة للكيان العربي، وتمنعه
عن التقاط الصورة الكاملة لمآل الصراع الذي من أجله زُرع الكيان الصهيوني
في المنطقة، ليس ككيانٍ استيطاني يتوقف دورُه عند سرقة أرضٍ من شعبها، بل
كأداة مستدامة لمعالجة شعوب ودول قلب العالم الإسلامي كمقدّمة لمعالجة بقية
الجغرافية الإسلامية.
وللأمانة، فإن جميع الأطراف في دول
الإقليم: أنظمة وقوى معارضة سقطت في الفخ، وتحوّلت إلى أدواتٍ طيِّعة
لتنفيذ الخطة، وإلا كيف نفهم سلوك كثير من تنظيمات المقاومة الفلسطينية،
وانغماسها الآثم في أكثر من أزمة عربية، بدءا بموقف منظمة التحرير في عهد
الراحل عرفات ودعمها لاجتياح الكويت، وانتهاء بانخراط حركة حماس في نزاعٍ
سياسي مصري داخلي لم تكن مُطالَبة فيه بموقف، وأخيرا انخراط حزب الله في
الأزمة السورية من نافذةٍ مذهبية صرفة صدمت عموم العرب، وأفقدته كثيراً من
رصيد الدعم المعنوي الذي كسبه منذ تحرير جنوب لبنان.
أخطر ما يترتّب عن قرار دول الخليج
على المدى القريب، أنه أضاف ملفا خلافيا جديدا إلى بقية الملفات التي باتت
تمنع اليوم بناء إجماع عربي ولو بالحدود الدنيا، وقد وضع لبنان الموبوء
بالأزمات على صفيح ساخن، ومنعه من فرصة تحقيق وفاقٍ يحلّ أزمة الرئاسة
وبقية مؤسّسات الدولة المعطَّلة منذ قرابة السنتين، كما يفتح على المدى
المتوسط شهية كثير من الأنظمة العربية على تصفية القوى المعارضة بتصنيفها
تنظيماتٍ إرهابية كما حصل مع الإخوان في مصر، وأخطر من ذلك منع قيام أي شكل
من أشكال المقاومة الشعبية للكيان الصهيوني تكون حتما عرضة للتصنيف الذي
وضع "حماس" و"حزب الله" و"القاعدة" وتنظيم "الدولة" في خانة الإرهاب.
No comments:
Post a Comment