التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول رؤيته للمنطقة
العربية ولعلاقات إداراته بدول الخليج وردّ فعل دول المنطقة المراوح بين
الذهول والحديث المتخفّي.. كل هذا يعبّر عن مرحلة جديدة تطلّ بقرنيها في
حياة العرب وتختلف عن المرحلة السابقة بمعطياتها وقواها وآليات حركتها
السياسية.
ليس فقط لدينا يقوم المتطرّفون المتنطعون بإجراء مراجعات فيتبرأون من
أفعال وأفكار قادت إلى مجازر ومآس، فأيضا هناك عندهم في الغرب يقومون
بالمراجعات ولعلها ملفتة للنظر ان تأتي من رئيس أعظم دولة في العالم زعيمة
الامبريالية العالمية.. مراجعات تنسف سياسات واستراتيجيات وتفضح مقولات
ومبرّرات وتؤكد ما كان يقوله العقلاء هناك والمستضعفون هنا.. مراجعاتٌ تعصف
بالمقولة الاستعمارية كلها فهل تكون هذه توبة التوبات؟ أم أن وراء الأكمة
ما وراءها؟
بالفعل نحن إزاء ظاهرةٍ جديدة في السلوك الامبريالي الاستعماري،
فقبل أن تزول آثارُ الحروب التي شنُّوها على مدننا وقتلوا فيها الملايين من
أبناء مجتمعاتنا، يخرج علينا كبير المتحدثين باسم الاستعمار الغربي رئيس
الولايات المتحدة الأمريكية ليوجِّه الانتقاد لسياسة الإدارات الأمريكية
السابقة ويوجِّه الاتهام لممارسات العجلة العسكرية والسياسية الأمريكية
والغربية التي انطلقت ضد بلداننا، وبهذا الاتِّهام وذلك الانتقاد تسقط كل
المبررات والحجج التي قامت عليها حروبُهم القذرة.
نشرت صحيفة "ذي اتلانتيك" الأمريكية ما سمته "عقيدة أوباما" وهي عبارة عن سلسلة من المقابلات، ومن
جملة ما جاء فيها من مواقف وصف أوباما بعض حلفاء واشنطن في منطقة الخليج
وأوروبا بـ"القوى الجامحة" التي تسعى إلى جرِّ الولايات المتحدة إلى صراعات
طائفية لا مصلحة أمريكية فيها.. وقد
نُقل عنه قوله: "على الرياض أن تدرك كيفية تقاسم النفوذ في المنطقة مع
إيران".. وحسب المجلة، فإن أوباما دأب على وصف بعض حلفاء أمريكا، في الخليج
وأوروبا، بأنهم "قوى جامحة" تتهيّأ "لحضورنا واستخدام قوتنا العسكرية في
مواجهة حاسمة ضد إيران، بيد أن الأمر لا يخدم المصالح الأمريكية أو مصالح
الدول الإقليمية".
وأوضح أوباما أن مصالح بلاده تقتضي "إخراج الولايات المتحدة من
الصراعات الدموية في الشرق الأوسط حتى يتسنَّى لها التركيز بصورة أكبر على
أجزاء أخرى مثل آسيا وأمريكا اللاتينية" كما "لم يُبدِ تعاطفاً كبيراً مع
السعوديين" على خلفية إبرام الاتفاق النووي مع إيران، مذكِّراً الرياض بأنه
يتعين عليها إدراك "كيفية تقاسم المنطقة مع عدوِّها اللدود، إيران".
من جهة ثانية، أعلن أوباما أيضاً أن "دعمه للتدخل العسكري الذي
شنَّه حلفُ شمال الأطلسي في ليبيا كان "خطأ"، نتج في جزء منه عن اعتقاده
الخاطئ بأن بريطانيا وفرنسا ستتحملان المزيد من عبء العملية". وقال الرئيس
الأمريكي في هذا الإطار إن "رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، سرعان
ما أصابه الإرباك وانحرف اهتمامُه إلى قضايا أخرى بينما الرئيس الفرنسي
(السابق) نيكولا ساركوزي كان يطلق النفير للغارات الجوِّية التي شارك فيها،
على الرغم من أننا كنا قد أنجزنا تدمير كافة الدفاعات الجوية" الليبية. وأضاف أوباما أن الحديث عن مجزرة في بنغازي على يد القذافي كان محض كذب.. وفي
السياق نفسه دافع أوباما بقوة "عن رفضه تنفيذ التهديد بالخط الأحمر" بشأن
الأسلحة الكيميائية في سوريا، على الرغم من معارضة نائب الرئيس جو بايدن
"داخل الجلسات المغلقة قائلا: إن الدول الكبرى لا تمزح" في تهديداتها.
إن مراجعات أوباما خطيرة لأن فيها شرا
كبيرا؛ إنها تحمل في ثناياها مخططا لم تتوان مواقع إعلامية غربية عن نشره
وهو يشير إلى تقسيم المملكة السعودية إلى عدة دويلات، ويبعثر الخليج لضرب
المال العربي ومصدره، ويطوّق الكتل العربية الكبيرة بقواعد عسكرية غربية.
نحن ندرك أن هذا الخطاب من رجل يعرف القانون الدولي وكان مدرِّسا
في العلاقات الدولية والسياسية وأستاذا بارعا في فهم وتعليم الاستراتيجيات
وآليات الصراع بين القوى العظمى.. لهذا، من المؤكد أننا سنستمع إلى رجل
مختلف عن كثير من مجانين الإدارة الأمريكية المهووسين بقوة اللحظة
وغرورها.. لكن ينبغي أن لا ينصرف بنا الظن إلى مواقع لا يقبّلها لنا عقلٌ
أو يصدّقها تاريخ.. فالرجل يمثل الوعي العميق في الإدارة الأمريكية وفهمها
وطريقة تعاملها مع تغيّر المعطيات والوقائع مما يستوجب تغيير الاستراتيجيات
والخطط والحلفاء والأعداء، رغم أن أصحابنا من حكام الخليج والعرب يظنون
بها غير ما هو حقيقي، فأصحابنا من حكام الخليج رغم كل سوءاتهم لا يزالون
يذكرون من العروبة وفاء الصداقة وضرورة التجاوز عن الصديق، ولكنه وفاء في
غير محلِّه وصداقة على حساب ما هو مقدَّس.. هم يتعاملون في السياسة كما لو
كانت علاقة بين شيخ قبيلة وآخر تلزمهم كلمات الصداقة وتهزهم نخوات الكرم
كما جاء في كتاب نيكسون وهو يعرض لقصة حصلت له مع أمير الكويت الذي تبرع
للولايات المتحدة بمليار دولار دعما لنيكسون في حملة انتخابية، فطلب منه
هذا الأخير أي مساعدة مقابل هذه النخوة السخية حيث ليس في أعراف الغربيين
شيء بلا مقابل، إلا أن الأمير رد عليه بحزم الكريم المعطاء قائلا: "عيب نحن
أصدقاء".. لكن للأسف قلما نرى الصفح والكرم في مكانه، لاسيما في مجالات
الدفاع عن كرامة الأمة ومقدساتها.. بل نراه في مجالات تخريب وتدمير حياة
الأمة في العراق وسورية وليبيا وسواها...
ولعل أهم ما تم تناقله هو رد الأمير
السعودي تركي الفيصل في مقال له بصحيفة "الشرق الأوسط" بعنوان: “لا.. يا
سيد أوباما”، رداً على قصة “عقيدة أوباما” الذي نشرته المجلة الأمريكية، إن
السعودية ليست الدولة التي تمتطي ظهور الآخرين لتبلغ مقاصدها، وإنها شاركت
معلوماتها التي منعت عن أمريكا هجماتٍ قاتلة.
وأضاف: “السعودية هي من كانت المبادِرة في تكوين التحالف الذي
يقاتل “داعش” ويدرّب ويدعم السوريين الأحرار الذين يقاتلون الإرهابي
الأكبر بشار الأسد والإرهابيين الآخرين، وهي من تحارب العقائد المتطرّفة
التي تسعى لخطف الدين الإسلامي على كل الجبهات، وهي المموّل الوحيد لمركز
مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة".
وتابع: “السعودية هي من تساهم في دعم أمريكا بشراء سنداتٍ حكومية
أمريكية منخفضة الفوائد، وتبتعث آلاف الطلبة للولايات المتحدة وبتكلفة
عالية، كما أن السعودية هي من تستضيف أكثر من 30 ألف مواطن أمريكي، وبأجور
مرتفعة”.
إن كلام الأمير يعكس مدى خيبة الأمل من أصدقاء غادرين لا وفاء
لديهم.. فأوباما نفسه هذا عندما زار السعودية ذات يوم ركع أمام الملك
السعودي عبد الله.. وهكذا ينكشف أمام السعوديين أن الغربيين، وعلى رأسهم
الإدارة الأمريكية، لا صداقة قوية معهم، والأخطر من ذلك أن الامريكان
يخططون لأمر سوءٍ يحيق بالمملكة والمنطقة.. وإلا ما معنى أن تترك الإدارة
الأمريكية دول الخليج الضعيفة في بنيتها الأمنية والعسكرية في أتون منطقة
ومرحلة تلتهبان وتُنذِران بتفجير شامل؟
إنّ مراجعات أوباما خطيرة لأن فيها شرا كبيرا؛ إنها تحمل في
ثناياها مخططا لم تتوان مواقع إعلامية غربية عن نشره وهو يشير إلى تقسيم
المملكة السعودية إلى عدة دويلات، ويبعثر الخليج لضرب المال العربي ومصدره،
ويطوّق الكتل العربية الكبيرة بقواعد عسكرية غربية.. إن حديث أوباما فيه
إغراء لبعض قوى الإقليم وذلك لدحرجتها في أتون معركة سيكون من الصعب
إيقافها والتنبؤ بمصيرها.. تولانا الله برحمته.
No comments:
Post a Comment