حذار أن تتجول في البلاد وأنت لا تحمل حفاظات للكبار، خاصة إذا كنت "من ذوي
الحاجات"، لأنك لن تجد أين "تقضي حاجتك".. هذا ما يستنتجه المواطن السائح
والسائح غير المواطن، المدعوان رسميا من قبل وزارة السياحة وحكومة السياحة،
لكي يسيحوا في الأرض استرزاقا وطلب عيش للدولة التي فقُرت بعد غنى، بعدما
أذهب الله عنها بحبوحة العيش الرغيد من عائدات "ريح" النفط العتيد!
المتجوِّل في الأسواق والشوارع، خاصة النساء، يعرف معاناتهم مع المراحيض
العمومية، فلا وجود لها، رغم مشروع ضمن "تشغيل الشباب" كان قيد الإنجاز
لتحويل الشباب العاطل إلى "شاف دي كابيني"، بعد أن وعدت السلطات في بعض
المدن بمنح بعض الشباب حق تسيير مراحيض عمومية مستورة! لكن، يبدو أنه مع
أزمة غلاء وشراء الأكل، لم نعد نفكر في رخص وبيع "الفضلات"، وعلى المواطن
ألا يأكل وألا يشرب حتى لا نضطر إلى بناء أو "استوراد" كابينيهات!
المشكل مع العجائز بشكل أخص، لأنهن لا يستطعن دخول المقاهي (ندخل
المقهى عادة طلبا للوضوء، لا لتناول قهوة، بمعنى أننا نشري "المدخلات" من
أجل إفراغ "المخرجات"!). الذكور من الشباب أو الشياب، بإمكانهم دخول المقهى
أو حتى مطعم، طمعا في راحة بيت الراحة، لكن العجائز والنساء عموما، لا
يستطعن الدخول حتى إلى المساجد، لأنه ليس كل المساجد مخصصا فيها أجنحة وضوء
للنساء ـ فضلا عن الصلاة ـ (عكس ما نجد في المغرب مثلا، حيث تشاهد نساءً
شابات وعجائز، يدخلن المسجد عند كل أذان مثل الرجال لأداء الصلوات). عندنا،
المساجد لا تُفتح إلا أوقات الصلاة مثل الإدارات، ثم تُغلق، وهذا معناه أن
"صاحب الحاجة من غير الصلاة، لا يجد ملجأ إلا إلى المقهى أو المطعم أو..
يدير ظهره للناس ويستقبل "حائط.. المبلى..".
وجدتُ نفسي هذه الليلة، أتجوّل في أحد أسواق المدينة المكتظة
بالمتفرجين أكثر من الباعة والمشترين، أكثرهم حظا مشى نحو 20 كلم ذهابا
وإيابا في رقعة لا تتجاوز ألف متر مربع.. ذهابا وإيابا ودبورا، ويعود مساء
إلى أهله مشرورا، ومضرورا، لأن "كرعيه طابو" بلا فائدة، ولأنه سار حتى ملّ،
فلم يجد ما يشتري به، واضطر إلى إفراغ حمولة الماء عنده، ثلثها على سرواله
والثلث على الرصيف، وما تبقى، على "حائط المبلى" الذي بلونا به المواطن..
بلاءً سيئا!
لاحظتُ عند الجدار المُعدّ خصيصا "للفيدانج" البشري، شابا في
الأربعين، بهراوة تزن قنطارا، وهو يسيّر باحة "البلاء المبين" وينادي بصوته
الذي يقلب الشين سينا: آآالحاج.. مس تمة، هناك بـ"دوميل" وهنا بـ"دي ميل"
سحال عنك؟ إذا ما عندكس الصرف روح أسري وساهل الحال"! فهمتُ أن هناك جهة من
الجدار مخفية، يمكن استعمالها "للوزن الثقيل"، وهي غالية الثمن وأخرى
سريعة السيلان أرخص! وأن البيت بيته وأن الجدار كان لغلامين يتيمين، هو
وأخوه، وهما يشتغلان بهموم الناس بهذا الشكل، أخوه الأصغر مكلف بمكان إفراغ
"الوزن الصلب"، أما هو فمكلف بالسوائل!
في هذه اللحظة تقدمت عجوزٌ كانت على وشك أن "تفرغ الحاوية"،
فتركت تنورتها تنزل مختفية خلف الجدار، فصرخ فيها الشاب: آآالحاجة..
ممنوع.. ما تبوليسي تمة! فردت عليه بعنف وهي تصرخ: .. ويموت حتى جنرال..
واش بغيتني نطرطق.!
وأفيق وأنا أكاد أتطرطق!
No comments:
Post a Comment