جميل أن يتطرق السيد عمار سعداني، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني،
لقضية الإطارات المسجونة أو المهمّشة أو الهاربة إلى الخارج، وأن يدعو إلى
عودتهم والاستفادة من مؤهلاتهم، وجميل أيضا أن يتطرق في نفس التوقيت السيد
عمار غول رئيس التشكيل الحزبي المسمى تاج، لقضية الأدمغة الجزائرية
المهاجرة في الخارج ويقترح السعي لأجل إعادتهم لإنقاذ البلاد من الورطات
الاقتصادية _ وهم أبرياء منها _ التي تتواجد فيها بعد انهيار أسعار النفط.
لكن ألا ترون بأن هذا الكلام الجميل في ظاهره، معجون بالقبح المركّب؟
فمن غير العقول أن يدعو ويقترح، من بيده القرار، هذا إن لم نقل من كان سببا
في تهجير كل هاته الكفاءات، التي جعلت عدد أطباء الجزائر المختصين في
فرنسا فقط، يفوق الخمسة آلاف "هارب" من جحيم التهميش، أي بعدد سكان مدينة،
وربما أقل من عدد الأمراض والأوبئة الجديدة والقديمة التي عششت في الجزائر
منذ أن غادر هؤلاء البلاد.
ولا نظن أن الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، الذي قال هذا
الكلام الجميل يختلف معنا حول أداء حزبه القبيح منذ عقود طويلة، عندما
اعتمد على "ديناصورات" رفضت الانقراض، وأبقت الحكم بين أيدي زمرة واحدة لا
تُري الشعب إلا ما ترى، فاختصرت الحزب منذ زمن بعيد في فرعون وهامان وبعض
السحرة، وقطعت أيدي وأرجل الكفاءات من خلاف ونفتهم من الأرض، ودعّمت
الدستور الجديد، الذي منع الحكم عن هؤلاء، الذين وجدوا أنفسهم قهرا يعيشون
ما وراء البحار أو زجرا بشهادة "سجين سابق"، ولا نظن أن السيد عمار غول
يختلف معنا في أن الوزارات الأربع الشبابية الحساسة، التي حمل حقائبها، لم
تفتح أبدا الباب ولا النافذة، في وجه هؤلاء الإطارات من الهاربين "بالروح
وبالدم" إلى بلدان بعيدة، فقد حمل حقيبة الصيد البحري من عام 1999 إلى عام
2002 فكانت أسماك بحرنا الممتد على شريط يفوق الألف و500 كيلومتر تموت
بالشيخوخة، ونحن نستورد السمك من موريتانيا وحتى من المجر التي لا تطلّ على
البحر، وحمل حقيبة الأشغال العمومية، فمكّن للصينيين والبنغاليين
والأندونيسيين "حديدا وإسمنتا"، في الوقت الذي توجد كفاءات جزائرية في
الهندسة المدنية تصنع ربيع كندا، وحمل حقيبة النقل، وربما يعرف مثلنا من
الذي أنجح مخطط النقل الباهر في مدينة غرونوبل الفرنسية، ويحمل الآن حقيبة
السياحة، ومازال عاجزا عن استقدام كفاءات الجزائر في مجال السياحة ليس
كإطارات فقط، وإنما أيضا كسياح.
في زمن البحبوحة المالية، نسينا الفعل والقول، فكنّا جميعا ملتفين
حول قصعة عائدات النفط، نأكل تارة، ونشرب حد الثمالة أخرى، والآن بعد أن
خلت القصعة إلا من فتات أسواق النفط، عدنا لصناعة الكلام، وواضح بأن زمن
الفعل مازال مؤجلا، وإلا كيف نفسر أن يقول السيد سعداني وغول وغيرهما، ما
لا يمكن لأحد فعله غيرهم.. ومع ذلك لا يفعلون.
No comments:
Post a Comment